التحصيل والتقدم ورؤية في واقع التعليم

إيطاليا تلغراف

 

 

 

ذ . عبدالبصير جمال أحمد عيد

 

عندما نقرأ رؤية الكثير من المدارس نجد أنها تحمل أهدافًا عميقة وقيم عليا لإعداد جيل المستقبل القادر على مواجهة التحديات من خلال الطرق الحديثة التي تؤمنها المدرسة في خدمة هذه الرؤية وتلك الأهداف. لكن هل تتحقق هذه الرؤية؟ أو بالأحرى هل تم العمل على تحقيقها بالشكل الصحيح؟!

القائمون على العملية التعليمية يستنزفون جهدهم وطاقتهم في التخطيط ووضع الأطُر العامة والمعايير، وإعداد الدروس والمناهج، وإعداد الاختبارات وتصحيحها ثمَّ جمع العلامات ورصدها، وكل هذا بلا شكٍ من لبِ العملية التعليمية. لكن ومن وجهة نظرٍ أخرى هل يمكننا أن نقول أنهم وبعد هذا الجهد العظيم قد حصدوا ثمرة جهدهم وتعبهم؟!
الوقوف على التغذية الراجعة ومتابعة التلاميذ بخططٍ عملية للنهوض بالمستوى الأكاديمي يجب أن يؤخذ على محمل الجد وأن تعطى هذه المرحلة حقها كما هو الحال في التحضير وإعداد الأهداف.
متابعة التلاميذ بشكلٍ فردي وجماعي يجب أن يكون في هرم العملية التعليمية. ما يحصل وللأسف هو كمن يبنى جداراً ويترك فيه فجواتٍ كثيرة، يرتفع الجدار مع كل مرحلة لكن كلما ارتفع ازداد ضعفاً وأصبح قابلاً للإنهيار عند أول اختبار حقيقي له مع عوامل الحياة المتغيرة.
وما نلحظه الآن من تدريس ممتاز وتحصيل ضعيف لا يوازي ما تم إعطاؤه من طرائق تدريس حديثة وتجهيزات متنوعة تخدم الطلاب مراعية ميولاتهم واهتماماتهم ناتج عن هذه الفجوات المتراكمة.

لقد أظهرت بعض الدراسات أن التغذية الراجعة بأنواعها تؤثر بشكلٍ إيجابي على تحصيل الطلبة. لكن الواقع لهذه التغذية في الغالب يكون عشوائياً وآنياً ولا يقوم على أسس وقواعد وخطط للوقوف على تحليل منطقي لسير العملية التعليمية ورصد تقدم التلميذ مسلطةً الضوء على نقاط القوة التي اجتازها ونقاط التطوير التي تحتاج إلى العمل عليها. كما يجب العمل على تحليل الأخطاء ومعالجتها بشكل جدي ومنظم وإعداد كادر قادر على التعامل معها بغرض التحسين والتطوير.
ليس المهم هو إعداد الاختبارات وتصحيحها ورصدها بل المهم هو الوقوف على ما تمَّ إنجازه وما الذي يحتاج إلى دعمٍ وتطوير. بعض المدارس تعطي فرصة للتلاميذ لإعادة النظر في الاختبارات النهائية، ولكن القلة من تعطي هذا الموضوع حقه. هل يتم إعطاء تقرير حول الأسئلة التي لم يوفق التلميذ بحلها؟ البعض سيقول أنا أفعل ذلك؛ لكن غالباً يتم عرضُ الإجابات الصحيحة ويُكتفى بذلك. في الحقيقة إن ما نحتاج إليه هو تحليل لكل خطأ ومعرفة المستوى الحقيقي للتلاميذ من أجل النهوض به لمستوى أعلى فأعلى، كل هذا من شأنه تسريع عملية التَّعلُم لدى التلاميذ.

وأما الجانبٍ العمليٍ فيدعم هذه الفكرة فخلال عملي قابلتُ طلبة يدرسُون اللغة العربية كلغة ثانية أو ثالثة وما زالوا في المستوى المبتدىء بعد ست سنوات من دراستهم للغة العربية! وقس على ذلك الكثير من التلاميذ الذين ينتقلون للسنة التالية وهم يراكمون مشاكلهم معهم.
والسؤال لماذا ينتقل التلميذ للمرحلة التالية حاملاً معه الكثير من الموضوعات التي لم يفهمها بعد؟! البعض سيظن أنني من مؤيدي الرسوب إن لم يجتز التلميذ مرحلة بعينها، لكن في الحقيقة ليس هذا ما أدعو إليه بل أدعوا إلى التركيز على “تحصيل الطلبة وتقدمهم” ليس من أجل الرَّصد فقط بل من أجل رفع الأداء وتحسينه.

التركيز يجب أن يكون على تعلم الطلبة من خلال خطوات عملية منها؛ معرفة ماذا يعرف وماذا لا يعرف. ولا شيء أكثر نفعاً للتلميذ من التقويم التكويني الذي يسمح بإعطاء تغذية راجعة مستمرة لعملية التعليم والتَّعلم وهذه هي الخطوة التالية لمعرفة مستوى الطلبة. وكما يقال: “ما يمكن قياسه يمكن تحسينه وتطويره”. ومن الممارسات الإيجابية التي يمكن تطبيقها هي زيادة الوعي بأهمية التقويم المستمر حتى بين التلاميذ وذلك ممكن من خلال ممارسة التقييم الذاتي حتى يستطيع التلميذ أن يدرك أين هو موقعه مما تعلمه.
يشتكي احد المشرفين بعد حضوره عدة حصص لمختلف المراحل بأن ما لاحظه من تفاعل في المرحلة المتوسطة يفوق كثيراً ما رآه في المرحلة الثانوية! ما هو السبب وما الذي تم إهماله حتى وصلنا لهذه النتيجة؟

ربما هذا يفسر وجود الكثير ممن أنهوا مرحلة المدرسة ثم الجامعة وحصلوا على شهادات عليا ولا يزالون يعانون من مشاكل وضعف في مهارات اللغة الإنجليزية والعربية.
يقول أحد المشرفين التربويين؛ بأن تحصيل الطلبة ليس حملاً على المعلم فقط بل هو ممارسة تربوية تحت مظلة سياسات المدرسة وفلسفتها وما تعكسه رؤيتها على الجانب العملي في الواقع التربوي على النظام التعليمي ككل. النظرة المتكاملة هو ما يبني لنا صرحاً قوياً متجانسًا.

العناوين الفرعية التي تأتي تحت مظلة السياسات العامة بأن كل معلم في المدرسة هو معلم لغة، أي أن المسؤولية هنا كلية وليست جزئية. معلم الرياضيات والعلوم والتربية الإسلامية والاجتماعيات مطالبون بأن يتابعوا اللغة التي يتكلم ويكتب بها الطالب والوقوف على ما يزيد من كفائتها ومهارتها.

التمايز في أسلوب التعليم والتعلم و إعطاء التلميذ فرصة حتى يحسن من أدائه ورفع كفائته يجعل من رفع مستوى تحصيله أمراً سهل المنال. ليس الهدف من الإمتحان أن أقيس ما يعرفه الطالب بقدر ما هو وسيلة تساعد الطالب على رفع كفائته وقدراته وبالتالي تحصيله. كما أن الكثير من المدارس تسعى لإلغاء الواجبات المدرسية إلا أن النظرة الآن يمكن أن تُصبَّ على إلغاء الإختبارات وتحويلها لقياس ما توصل له الطالب من مهارات وقدرات.

التقييم من أجل التعلم واحدة من الطرق التي تخلق الوعي لدى كل من المعلم والمتعلم نحو التحصيل والتقدم في العملية التعليمية. ومن أهم الطرق التي يمكن أن تكون ضمن الخطوط العريضة في عملية التقويم البنائي في الحصة الصفية هي الأسئلة الثلاث التَّالية: أين تخطط أن تذهب في عملية التعلم؟ أين أنت الآن؟ وكيف يمكن أن تصل هناك؟ وجود هذه الأسئلة والعمل عليها يمكن أن يوجهنا للحصول على نتائج ممتازة تنعكس إيجابياً على التحصيل. كما يمكن إضافة “ساعة التقدم” والأسئلة القبلية والبعدية من خلال أدوات التقويم والتقييم المتنوعة. وأفضل شيء يمكن الحصول عليه هي تلك المشاريع والنواتج التي تثبت لنا ما تم تعلمه في الفترة الماضية مع التأكيد على أنها حقيقية تعكس ما تعلمه الطالب. ومثال على ذلك؛ الأعمال الفنية والإبداعية التي تعكس مدى المجهود الذي تم العمل عليه منذ بداية فترة التعلم وحتى نهايته.

بلا شك أن الإختبارات القصيرة لها دور كبير وفعال ليس فقط في القياس والتقويم بل أيضاً في رفع وتقوية العملية التعليمية، وتعطي أثراً إيجابيا بشكل مباشر وغير مباشر على الطلبة. ومن هذه الفوائد؛ أن الطالب يبقى على تواصل مستمر بالمادة التعليمية التي بدورها تحفز العادات الجيدة نحو التعلم. أما غير المباشرة فإنها تلعب دوراً مهماً في إرشاد وترتيب أفكار الطلبة وربط التعلم السابق مع التعلم الجديد. وهذا بدوره يعطى الطالب القدرة على إنشاء تعلم طويل المدى مع قدرات متطورة في عملية الإدراك والمسؤولية نحو التعلم.

ومن هذه الإختبارات القصيرة التي لُمِسَت نتائجها على الطلبة هي الإختبارات القصيرة التي توجد في شبكة الإنترنت “كويزيز” و”كاهوت”. التي تجمع بين الاختبارات القصيرة واستراتيجية التعلم باللعب. وكان لهذه الإختبارات دوراً مهماً في إزالة القلق الناتج عن فكرة الاختبار، مما جعل الطلبة يعكفون على حل الأسئلة وهم سعداء وبكامل إرادتهم بعيداً عن القلق والتوتر من مجرد سماع كلمة “كويز”. ويمكن لهذه الاختبارات القصيرة أن تحفز بشكل إيجابي الطلبة إلى أهمية المراجعة المستمرة ولمس أثرها على عملية التحصيل والتقدم. ويمكن للطالب أن يبنى وعيا لديه عن قدراته وإمكانياته وما هي النقاط التي يجب أن يطورها وأين يجب أن يوجه عملية تعلمه، وهنا نحصل على التعليم الممتاز.

وقد أُثبت أن للتكنولوجيا دوراً ممتازاً في نقل العملية التعليمية من حالة من الجمود إلى نقلة نوعية في جميع المجالات فأصبح شرح المادة وتبسيطها وتوصيلها للطلبة أسرع وبجودة أفضل، مراعية أنماط التعلم المختلفة لدى الطلبة وهذا من شأنه أن تصل المعلومة للجميع وبأشكالٍ مختلفةٍ. كما أن الطلبة يجدون في تطبيق التكنولوجيا تسليةً أكبر. لذلك يجبُ على القائمينَ على العملية التعليمية أن يمارسوا أفضل الطرق لاستغلال التكنولوجيا والاستفادة منها. فمثلاً؛ برنامج “كويزيز” و”كاهوت” ليس فقط للتسلية بل يجب أن نستفيد من الخيارات المتاحة من تحليل البيانات و تحليل النتائج المتاحة بعد الانتهاء من كل اختبار وتطبيق ممارسة عملية ترفع من تحصيل الطلبة وتقدمهم.

العمل على الوصول إلى الغاية الأسمى والهدف الأعلى وهي تمكين الطلاب من القيام بإنشاء الفرضيات والبحث في التعميمات والنظريات من خلال الدراسات والأبحاث والتفكير الناقد و خلق بيئة التحدي لدى الطلبة يجعل منهم متعلمين مستقلين قادرين على التجديد، في إيجاد الفكرة وطريقة عرضها.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...