ذ.إدريس عدار
هل كان إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، موضوع اغتيال ضمن بنك أهداف “الكيان المؤقت”؟ وهل كان إسماعيل هنية يتحرك بسرية، كما يعتقد الكثيرون؟
تولّد هذا السؤال عن الأسئلة التي طرحها كثير من المهتمين، وعلى رأسها: لماذا فشلوا في اغتياله في قطر وتركيا ومصر، بينما نجحوا في ذلك في إيران؟
هل سبق أن تعرض أبو العبد لأي محاولة اغتيال حتى يتم طرح هذا السؤال؟
كل هذه الأسئلة يطرحها من لا رغبة له في معرفة ما جرى وليس له غرض بالحقيقة، ولكن هي فرصة للتشنيع بالدولة المضيفة.
لم يكن إسماعيل هنية يتحرك بسرية، وقد خرج من غزة بصفة نهائية، تنفيذا لقرار اتخذته الحركة واعتبرته حينها متعلقا بترتيبات داخلية في حركة حماس، وترتيبات لها علاقة بتعقيدات مرتبطة بالحركة من قطاع غزة وإليه. وطبعا لا يمكن لهذا الخروج أن يكون خارج سياق ترتيبات المحاور الإقليمية والدولية.
هنية كان يمثل رأس المفاوضين في حماس، وبالتالي هو خارج دائرة الاغتيالات. ليس في هذا الوصف أية منقصة له، بالعكس هو شرف له، لأن المقاومة فروع متعددة، منها من لا يطلق رصاصة لكنه يهرب السلاح، ومنهما من يقوم بتوفير الدعم اللوجيستيكي ومنها من يوفر خدمات أخرى ومنها أيضا “التفاوض”. هل هناك حرب بلا تفاوض؟ ومن مصلحة العدو أن يحافظ على حياة المفاوض لمصلحته هو أولا.
لا تنقطع كافة الخيوط بين المتحاربين. في كل جبهات النار في العالم هناك تواصل بطريقة أو بأخرى. التفاوض هو وسيلة للانتقال من المعركة بالسلاح إلى المعركة بالسياسة. وفي الغالب الأعم العنوان السياسي يكون بعيدا عن الاغتيال.
ما الذي كان يمنع من اغتيال إسماعيل هنية وهو في بلد تحتضن قاعدة أمريكية، ومفتوحة عن آخرها في وجه المخابرات الأميريكية والصهيونية؟ وما الذي كان يمنع من اغتياله في تركيا، التي تحتضن أيضا قاعدة أنجرليك الأمريكية، وما زالت خطوط الإمداد بالمحروقات والمواد الغذائية منها إلى الكيان المؤقت مفتوحة، كما تعتبر أيضا فضاء مفتوحا للمخابرات الأمريكية والصهيونية؟ وما الذي يمنع من اغتياله في مصر وفي غيرها من العواصم التي زارها؟
أؤكد أن إسماعيل هنية لم يكن يتحرك في الخفاء وهو يقود الوفود للتفاوض. وبالتالي مواقع وجوده ليست سرية. له حماية أمنية في حدود ما يقتضيه آمان قيادي فلسطيني. لم تكن زياراته تتم سرا، حتى يتم الحديث عن اختراق من أي نوع من الأنواع، بغض النظر عن الطريقة التي تم بها تنفيذ الاغتيال. وهي تحتاج إلى تحليل تقني أعجب من أن كثيرا ممن أرجلهم “مُفلطحة”، لم يخوضوا اشتباكا بالأيدي مع أقرانهم ينبرون لتحليله، ويقدمون رؤى متعددة.
إذن من اغتاله تجاوز خطوط الصراع وموقعية ودور المفاوض، ويريد تحقيق بعض الأهداف، التي تبدو لحد الآن مضطربة، فهو يريد، إما إنهاء دور التفاوض قصد الانتقال إلى شكل آخر من الحرب لا أفق فيه لإنهاء المعركة، وقد يتصور مجانين الحرب أنه يمكن القضاء على المقا..ومة، وبالتالي لا غرض من التفاوض، وإما يسعى لتغيير المفاوض، أو يسعى لتغيير صيغة الحرب.
يبقى الخيار الثالث الأرجح، لأن اغتيال إسماعيل هنية كان ممكنا في أكثر من موقع ومن مكان، لكن عامل الزمان والمكان يفيد أن الاستهداف موجهة لمحور المقاو..مة وليس للمقاو..مة الفلسطينية أو حماس بالأحرى. لأنه لا يمكن التخلص من قائد هو قطب رحى التفاوض إلا إن كانت النية هي إشعال المنطقة وإشغالها. لا ننسى هنا أن الأمريكي يستفيد كثيرا من إشغال المنطقة لأنها ستطيل وجوده. ولا يمكن بتاتا استبعاد مطلب جر إيران للحرب.
من يرى الحرب مجرد نزهة فليلزم داره. الحرب نزال مختلف الأوجه. قد ينتصر العدو في جولة أو في نزال، لكن هذا لا يعني أنه حسم المعركة. يبدو العدو متفوقا من حيث أن كل أعداء إيران في خدمته. مخابرات غربية وعربية رهن إشارته وقنوات المعلومات كلها تصب لديه. إيران قريبة جغرافية من إسرائيل بينما إسرائيل بعيدة من إيران. قد لا يفهم البعض هذا التحديد. كل الجغرافيا المحيطة بإيران في خدمة أمريكا وإسرائيل. بينما أغلب الجغرافيا المحيطة بإسرائيل ضد إيران. وقد يكون الاغتيال الجبان مقدمة لتقريب جغرافية إسرائيل من إيران عبر الانتقال من الإسناد والدعم إلى عناوين أخرى من الحرب عبر جغرافيات قريبة.