المغرب: فنان الفساد الذي لا يُفَتَح له أبواب التطوير إلا في معرض التلاعب

إيطاليا تلغراف

 

 

 

ذ.عبد القادر الفرساوي

 

 

أهلاً بك في عالم الفساد المغربي، حيث يُعتبر الدهاء والتلاعب فنوناً متقنة، والحيلة والتملص مهارات أساسية في القطاع العام. في المملكة المغربية، تطور الفساد ليصبح جزءاً من الهوية الوطنية، لدرجة أن المغرب ارتقى 24 مرتبة في تصنيف منظمة الشفافية الدولية خلال خمس سنوات فقط، ليحقق إنجازاً مدهشاً في فنون التزوير والتحايل. يبدو أن الارتقاء في سلم الفساد يتطلب مهارات خاصة في التلاعب أكثر من مجرد إنجازات اقتصادية!

تحت الأضواء الخافتة للتقارير الأخيرة، يُظهر الفساد في المغرب كوحش يلتهم أحلام الناس ويعمق الإحباط. تظهر الدراسات من “منظمة الشفافية الدولية” أن الفساد متجذر في كل ركن من أركان الحكومة، بدءاً من الوزارات الكبرى وصولاً إلى الإدارات المحلية. وفيما يواصل الفساد تألقه كفن نادر، قررت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة تنظيم ندوات تتحدث عن ضرورة إشراك القطاع الخاص في محاربته. وكأن القطاع الخاص كان في عطلة صيفية عن الفساد حتى الآن! وفقاً لتقرير، ترى 68% من الشركات أن الفساد “منتشر جداً” في البلاد، بينما تعيش 8% فقط في عالم آخر حيث لا وجود للفساد.

في الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن الحاجة إلى خطة شاملة لمحاربة الفساد، يبدو أن الحكومة المغربية تتقن فن الصمت الاستراتيجي. لم تصدر الحكومة أي تعليق

رسمي على التقارير، مما يعكس فلسفة “إذا لم أسمع، فلا يوجد فساد”. هذا الصمت يعطي المجال للفساد ليزدهر كفن راقٍ، حيث أن الأموال العامة تتحول إلى “بقرة حلوب” للمسؤولين الفاسدين، كما يتجلى في فضائح صندوق التقاعد الذي حول أموال المتقاعدين إلى مكافآت مشبوهة.

تستمر المشاريع الحكومية الكبرى في التوزيع كغنائم بين العائلات المتنفذة أو الشركات التي تدفع رشاوى، مما يساهم في تعميق الفجوة الاقتصادية وإفقار الشركات الصغيرة والمتوسطة. وفيما تهيمن التعيينات العائلية على المناصب الحساسة، يتم اختيار الأفراد بناءً على ولائهم السياسي أو العائلي بدلاً من كفاءاتهم، مما يؤدي إلى ضعف الأداء الإداري وتفاقم الأزمات.

ومع أن الفساد المستشري يقوّض الثقة بين الشعب والحكومة، يبدو أن الحكومة تبحث عن الحلول في الأماكن الخطأ. الاستقرار الاجتماعي لا يزال في انتظار تحقيق حلم بعيد، في عالم يزخر بألوان الفساد على كل المستويات. ورغم هذه الصورة القاتمة، يبقى هناك بصيص أمل. يتطلب الإصلاح الحقيقي إرادة سياسية قوية وإجراءات شفافة وصارمة، وتعزيز الرقابة على الأموال العامة، وتنفيذ قوانين ضد الفساد، لضمان أن تُدار المشاريع الكبرى بالعدالة والمساواة.

في الختام، يبدو أن المغرب بحاجة إلى قيادة تدرك أن السلطة ليست امتيازاً شخصياً بل مسؤولية تجاه الوطن والشعب. فقط من خلال ترسيخ قيم النزاهة والشفافية واستعادة الثقة التي تآكلت بسبب سنوات الفساد والمحسوبية، يمكن إعادة بناء الأمل واستعادة المعنى الحقيقي للخدمة العامة. قد يُشرق الفجر على مغرب جديد، حيث تُشفى الجراح وتُفتح أبواب جديدة لمستقبل يتسم بالنزاهة والعدالة.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...