فضيحة تجسس تهز إيطاليا: حينما تخترق الظلال أسوار الديمقراطية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

ذ.عبد القادر الفرساوي

 

 

 

في مشهد يليق بأعقد فصول الدراما السياسية، استيقظت إيطاليا على خبر أذهل كل من سمع به، حين كشفت النيابة العامة لمكافحة المافيا في ميلانو عن شبكة تجسس متشابكة الأطراف، استطاعت أن تُسقط أقنعة الأمن والمصداقية، وتُعرّي أسرار القصور والمؤسسات الإيطالية. شبكة سعت، دون هوادة، لجمع تفاصيل الحياة الخاصة لأهم الشخصيات السياسية والمؤسسات الحكومية في البلاد. في مقدمة تلك الأسماء، ارتفعت أصوات الهمس متحدثة عن رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، والرئيس سيرجيو ماتاريلا، ضمن لائحة طويلة من الضحايا التي قد تكون مجرد بداية لزلزال سياسي لا يُعرف مداه.

في قلب هذا المشهد المأساوي، برز اسم الشركة المشبوهة “إيكوالايز”، برئاسة ضابط الشرطة السابق كارمينه غالو، التي اعتمدت في عملها على اختراق قواعد بيانات حكومية وأمنية حساسة، مكدسة ملفات ملأتها أسرار الأفراد والمؤسسات. قيل إن تلك الملفات كانت تُباع لمن يدفع الثمن، ويداً غير مرئية تتحكم في مصائر الأوطان.

لكن إيطاليا لم تكن وحدها في قائمة الضحايا. فبحسب تقارير عبرية أخيرة، انكشفت أذرع الموساد الإسرائيلي في قلب تلك الفضيحة، مما أعاد إلى الأذهان سلسلة طويلة من الفضائح السابقة التي لطخت سمعة تل أبيب في عيون الحلفاء والخصوم على حد سواء. الصحف الإسرائيلية نفسها اعترفت بأن اسم الموساد قد ورد في شهادات أربعة معتقلين، أُخذوا من خلف ستائر الليل إلى غرف التحقيق المظلمة. وتحدثت “جيروزاليم بوست” عن عميلين إسرائيليين ظهرا في مكتب “إيكوالايز”، باحثين عن معلومات مرتبطة بمجموعة “فاغنر” الروسية وتمويلها في أوروبا، وكأن السعي خلف الغاز الإيراني لم يكن كافيًا ليشبع شهية الأطماع.

هنا، تتشعب الحكاية، ويظهر تسلسل زمني يكشف عن سجل حافل من عمليات التجسس الإسرائيلية عبر العالم. من حمام رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون الذي وُجد فيه جهاز تنصت، مرورا بالتجسس على المحكمة الجنائية الدولية، وحتى فضائح برامج مثل “بيغاسوس” التي استهدفت هواتف الدبلوماسيين والصحفيين في أربعين دولة،

يبقى السؤال: كيف أصبحت الأجهزة السرية أداة في يد دول تفعل المستحيل للحفاظ على نفوذها؟

وهكذا، وبين تفاصيل هذا الفصل الإيطالي المثير وما تحمله الذاكرة من حوادث مماثلة، يظل المشهد العام ملتبسا ومعقدا. سيف الديمقراطية يتراقص على خيط رفيع، وحيثما تطل مصالح الدول الكبرى، تغيب الحقائق خلف حجاب من الدخان، ويبقى المواطن البسيط متفرجا، لا يعلم ما يختبئ في الظل.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...