تضامن بلا حدود: الجالية المغربية في إسبانيا تضيء درب الأمل في قلب فيضانات فالنسيا

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

ذ.عبد القادر الفرساوي

 

 

 

في قلب الأزمات، حينما يلفّ الظلامُ أرواح الناس، ويخيم الحزن على الأرض، يظهر النور من بين يدي الإنسان المتضامن، الذي لا يملك سوى قلبه ليبذله في سبيل إغاثة الآخرين. هذا ما تجلى بوضوح في مشهد الجالية المغربية في إسبانيا، التي استعادت روح التضامن العتيقة، وأكدت أن الشعب المغربي، بمختلف أفراده، يقف في الملمات مع جيرانه وأصدقائه، دون أن يعترف بأي حدّ سوى حدود الإنسانية.

لقد كان لفيضانات فالنسيا، التي اجتاحت المنطقة في أكتوبر 2024، وقعٌ مدمر على الأرض والإنسان. الآلاف فقدوا منازلهم، والمياه غمرت شوارع المدينة بشكل غير مسبوق، تاركة وراءها جروحاً عميقة في نفوس السكان.

في تلك اللحظات الصعبة، عندما كان الجميع يلهث بحثاً عن بارقة أمل، كانت قلوب المغاربة في إسبانيا تهب لإغاثة المنكوبين، لا يتوقفون عند حدود التضامن التقليدي، بل يتجاوزون ذلك إلى الفعل الملموس الذي يعيد الدفء للقلوب ويخفف الألم.

ففي مشهد يعكس أسمى معاني الإنسانية، انطلقت حملة مساعدات واسعة من أبناء الجالية المغربية، الذين قدموا كل ما يستطيعون من طعام وشراب وأغطية، بل وحتى ملابس دافئة. وكان من أبرز تلك المبادرات تقديم وجبات ساخنة للمتضررين، في وقت كان الكثيرون فيه يفتقرون إلى أدنى متطلبات الحياة بعد الدمار الذي لحق بمنازلهم وأرزاقهم. شمل هذا الدعم أيضاً ملابس وأغطية لمساعدة الأسر التي فقدت كل شيء في لحظات، لتعيد لهم شعوراً بالدفء الذي فقدوه في قلب العاصفة.

وما يزيد من جمال هذه الصورة هو التفاعل السريع والتنسيق الفعّال بين أفراد الجالية المغربية، الذين نظموا أنفسهم بسرعة كبيرة. تضافرت جهودهم مع المؤسسات المحلية، وبدأوا بإعداد وتوزيع المساعدات بشكل منظم، متجاوزين الحواجز الجغرافية والثقافية.

في مشهد يعكس أسمى معاني الإنسانية، انطلقت حملة مساعدات واسعة من أبناء الجالية المغربية، الذين لم يكتفوا بتقديم التبرعات المادية فحسب، بل قدموا كل ما يستطيعون من طعام وشراب وأغطية، وكان من أبرز تلك المبادرات تقديم وجبات ساخنة للمتضررين، في وقت كان الكثيرون فيه يفتقرون إلى أدنى متطلبات الحياة بعد الدمار الذي لحق بمنازلهم وأرزاقهم. شمل هذا الدعم أيضاً ملابس وأغطية لمساعدة الأسر التي فقدت كل شيء في لحظات، لتعيد لهم شعوراً بالدفء الذي فقدوه في قلب العاصفة.

لقد تجلى التضامن المغربي في إسبانيا بشكل يفوق التصور، حيث لم يقتصر الأمر على تقديم المساعدات المادية والمعنوية فحسب، بل كان المشهد أكبر من ذلك بكثير. فقد انخرط في هذه الحملات الإنسانية جميع أفراد الجالية المغربية، رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، كل منهم بذل ما يستطيع في سبيل مساعدة المتضررين. وبينما كان البعض منهم يوزعون الوجبات الساخنة والأغطية، كان آخرون يشاركون في عمليات التنظيف وإزالة الطين عن الطرقات المغمورة. وفي لفتة إنسانية أظهرت عمق التضامن، تطوع عدد من الحلاقين المغاربة لقص شعر الأطفال والكبار بالمجان، في محاولة لتخفيف بعض معاناتهم النفسية بعد الكارثة. كانت تلك اللمسة البسيطة التي ربما يظن البعض أنها غير مهمة، لكنها كانت تعني الكثير للمحتاجين، فكل خدمة حتى وإن كانت صغيرة، كانت بمثابة شعاع أمل يبعث في النفوس الراحة. هذه المبادرة الإنسانية لاقت صدى كبيرًا بين الأوساط الإسبانية، حيث عبر الجميع عن إعجابهم بمدى تلاحم الجالية المغربية مع محنة جيرانهم، وتجسد ذلك في روح من التعاون والتكاتف بين أفراد المجتمع.

وفي المساجد والمراكز الثقافية، كان المغاربة يجتمعون ليخططوا لطرق جديدة لتوسيع دائرة الدعم، ليجعلوا من التضامن نمط حياة لا يمكن تجاوزه.

وفي ظل هذه الموجة من التعاطف والإنسانية، لم تقتصر جهود المغاربة في إسبانيا على الدعم المحلي فحسب، بل امتدّ هذا التضامن إلى مستوى العلاقات الدولية، إذ أرسل الملك محمد السادس رسالة واضحة للتضامن مع الشعب الإسباني، وأعطى تعليماته السامية بتقديم الدعم الإنساني والفرق المتخصصة لمساعدة الضحايا. هذه المبادرة الرسمية جاءت لتكون ردّاً قوياً على الأوقات العصيبة التي تمر بها إسبانيا، مجسدةً أسمى معاني التعاون بين الشعوب.

إن هذه الصور التي نقلتها وسائل الإعلام الإسبانية والعالمية، تعكس حقيقةً أن التضامن ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو فعل يُترجم في الميدان. فالمغاربة الذين خسروا بعضاً من أبنائهم في هذه الفيضانات لم ينسوا أن يقدموا الدعم والعون لجيرانهم، رغم الألم الذي يسكنهم. ففي كل خطوة على الأرض المتضررة من مياه الفيضانات، كان هناك مغربي يمد يد العون، يزيل الطين، يوزع الطعام، ويمنح الأمل في قلب الفوضى.

هذه اللحظات تثبت أن التضامن بين الشعوب لا يحتاج إلى إعلان رسمي أو إلى لحظات فارقة ليظهر، بل هو موجود في كل ما هو إنساني وصادق. وما قام به المغاربة في إسبانيا هو درس في العطاء، في أن يكون الإنسان إنسانًا في كل الظروف، ولا ينسى من هم في أمس الحاجة إليه. إنهم بحق جسدوا المثال الحي للتضامن الفعّال، وأكدوا أن العطاء لا يرتبط بالمكان ولا الزمان، بل هو سر من أسرار الوجود الذي يشدنا جميعًا في لحظات الأزمات.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...