ذ.عبد القادر الفرساوي
وسط ضجيج العاصمة الإسبانية مدريد، وفي زوايا شوارعها المتشابكة، تبرز قصصٌ لا ترى النور بسهولة، قصص أفراد يُصارعون لأجل حقوقهم في مجتمع ما يزال يرى في التنوع تحديًا، وليس إثراءً. في المؤسسات التي يُفترض أن تُمثل العدالة والمساواة، حيث يتأرجح فيها الاعتراف بحقوق بعض الفئات بين الفينة والأخرى، يظل الأمل هو ألا تكون هذه الحقوق حكراً لفئة واحدة دون غيرها.
إنه لمشهد متناقض حين نرى حقوق مجتمع المثليين تُكفل تحت ضغط الحاجة إلى المساواة داخل مؤسسات الشرطة والحرس المدني، بينما تُهمل حقوق فئات أخرى، لتبقى المرأة المسلمة والمهاجرين بعيدين عن مظلة الحماية الكاملة، يُصارعون من أجل حقهم في التعبير عن هويتهم الثقافية والدينية بلا خوف أو اضطهاد. إذ تُحرم المرأة المسلمة من أبسط حقوقها في ارتداء حجابها في أماكن العمل والدراسة، وتجد نفسها تُواجه مجتمعاً ينادي بالمساواة، لكنه يضع أمامها الحواجز كلما حاولت ممارسة قناعاتها الدينية بسلام. نعود بالذاكرة إلى قصة الطالبة نجوى ملحة التي مُنعت من دخول مدرستها لمجرد أنها اختارت أن ترتدي الحجاب، وكأن قطعة من قماشها تُمثل تهديداً للقيم المجتمعية.
لا تتوقف التحديات هنا، فالمهاجرون بدورهم، وهم شريحةٌ ضخمة من المجتمع الإسباني، يواجهون جدرانًا من التمييز تجعل الحصول على سكنٍ لائق أو فرصة عمل مناسبة أشبه بمعركة يومية. هؤلاء الذين عبروا الحدود حاملين أحلامهم وأمانيهم بحياةٍ أفضل، يجدون أنفسهم ضحايا لسياسات تؤكد على “الاندماج” بالقول، وتخالفه بالفعل. ما بين شركات عقارية ترفض تأجير مساكن للمهاجرين، ووظائف تُحرم عليهم دون سببٍ سوى خلفياتهم الثقافية، يضطرون للعيش على هامش مجتمع لا يعترف بهم إلا حينما تتناسب قصصهم مع سياقه.
تُظهر هذه التناقضات، في جوهرها، أزمة عميقة في مفهوم العدالة ذاته، حيث يُنتقى من يُمنح حق التعبير والمساواة وفقًا لتصورات سطحية. كيف يمكننا الحديث عن مجتمع عادل، إذا كانت حقوق الأقليات الدينية والثقافية تُعاني من إقصاءٍ واضح؟! كيف يمكننا أن نغض الطرف عن تحديات هؤلاء الذين يسعون للعيش بكرامة وسط مجتمع ينادي بالحرية للجميع، لكنه في الوقت ذاته يُقيد من لا يشبهه؟
إنها دعوة لتوسيع دائرة العدالة لتشمل الجميع دون استثناء، لتصبح هذه المؤسسات التي تدّعي حماية الحقوق ميداناً للإنصاف الشامل، لا فئة دون أخرى. عندما يكون الحديث عن المساواة، يجب أن يكون كافيًا لنشمل حق المرأة في ارتداء الحجاب، وحق المهاجر في الحصول على مسكن لائق، دون أن يُنظر إليهم كتهديد.