إدريس عدار
استثمر الاستكبار العالمي في أرخص الجماعات. هذا التعبير جاء على لسان من يمسكون لجام “الثوار الملتحون”. يبحثون عن الرخيص لأنه سهل الانقياد ولأنه قادر على أداء وظيفته حسب المطلوب والتوقف عند الحدود، التي يطلب منه ألا يتجاوزها، وليس عند الأمريكي، قائد الاستكبار العالمي، أي حرج في أن قاتله عند تنتهي المهمة.
كان بإمكان القوى التي هيأت الحرب في سوريا أن تختار شخصية من المعارضة المدنية لقيادة المرحلة، وبالتوافق مع الجولاني، لكنها اختارت هذا الأخير، بعد أن أدخلته صالون حلاقة، لتقرر قيمة التغيير في هذا البلد، الذي تعتبر السيطرة عليه “أم المعارك” عند القوى الدولية، في جولة خسرتها روسيا وإيران وربحتها أمريكا وإسرائيل وتركا، ففرض شخصية “إرهابية” لقيادة المرحلة بعد تعديلها من حيث الشكل هو استصغار لمعنى ومفهوم التغيير.
وتم الاشتغال بقوة من الناحية الثقافية والإعلامية قصد إقناع جمهور عريض بأن ما يحدث هو ثورة ضد نظام دكتاتوري، مما دفع آلاف المواطنين يخرجون الجمعة، التي أطلق عليها الجولاني جمعة النصر، للاحتفال بتحرير سوريا، في وقت لم تتوقف فيه الطائرات “الإسرائيلية” في تدمير سلاح الجو السوري برمته حيث لم يبق لدى سوريا أي شيء يمكن على أرضيته بناء جيش جديد.
فلا معنى لاحتفال شعب بالانتصار في وقت تحتل تركيا جزءا من أراضيه على امتداد مئات الكيلومترات، وتحتل الولايات المتحدة المنطقة الشرقية وتضع يدها على النفط والغاز السوريين، وتحتل إسرائيل الجولان وبعد “الثورة” أضافت مئات الكيلومترات التي احتلتها أيضا حتى أصبحت تطل على العاصمة دمشق.
فهل هي فعلا “ثورة”؟
ثورة “متخيلة”. وهذا التعبير أطلقه الكاتب الأمريكي توموس والبانك هيوز. واستعمله في تحليل ثورة العبيد في أمريكا. كما استعمله بعض الباحثين في وصف ثورة ماي 1968 بفرنسا. وأغلب الباحثين وظفوه في وصف الطريقة التي يتمثل بها الفاعلون عملية التغيير. لكن في حالة سوريا الجديدة فالفاعل يعرف أنه بينه وبين الثورة الخير والإحسان، وحتى الموتورين منهم فهم يعتقدون أنهم على درب الجهاد. لكنها ثورة “متخيلة” كما يتمثلها المواطنون السوريون ومناصرو التغيير في سوريا.
والدليل على أن “الثورة” غير حقيقية أن الناس تحتفل بالنصر المبين بينما دمرت إسرائيل أمام أعينهم مقدرات الجيش السوري، وهي ملك للشعب السوري وليس للنظام السابق، واحتلت أيضا عشرات بل مئات الكيلومترات لكن لا أحد يتساءل عن الاحتلال للأراضي السورية.
الثوار هم أصدق الناس في التضحية وهم أحرص الناس على ممتلكات الشعب. الحاكمون الجدد في دمشق لا تهمهم ممتلكات الشعب ومدخراته ومقدراته وأراضيه. تهمهم العاصمة والقصر الرئاسي، والناس تصدق أنها ثورة.
يصدق الناس أن من يتجول اليوم في دمشق هو قائد ثورة. لكن هذا الرجل موجود على قائمة الإرهاب الأمريكية هو وهيأته. هنا سيستشكل علينا البعض مادام مطلوبا أمريكيا فهو رجل “ثوري”. أمريكا هي التي صنعته وأول قناة ظهر فيها بلوكه الجديد هي سي إن إن الأمريكية. ولكن إبقاءه في القائمة لمزيد من الخدمات التي ستطلب منه.
ويقبل الناس أن يساندوا رجلا يعترف بعظمة لسانه أنه كان مساعدا للزرقاوي والبغدادي وأنه كان مع تنظيم القاعدة. متورط في المقتلة الرهيبة بقاعدة سبايكر العراقية حيث استشهد 1700 طالب جندي تم ذبحهم بدم بارد، ومارس القتل هنا وهناك، وهو محكوم بالإعدام في العراق ومطلوب للأمن العسكري اللبناني بسبب تورطه في مقتل جنود لبنانين، اما في سوريا فكان يتلذذ بالقتل في إدلب ونواحيها.
وأتعجب من الذين يركزون النظر على سجن صيديانا بمزيد من البهارات الهوليودية، دون أن يتحدثوا بكلمة واحدة عن سجون الجولاني في إدلب، بل إن بعض الجماعات المسلحة اليوم تطالب بمحاكمته.