الجيش السوداني..تأريخ وعراقة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

أمية يوسف حسن أبوفداية
باحث وخبير استراتيجي مختص في الشأن الإفريقي

 

 

تم إعلان الاستقلال بعد إستعمار بريطاني استمر 57 عامًا، حيث أُعلن استقلال السودان رسميًا في 1 يناير 1956. ورغم أن الحزب الفائز في الانتخابات قبيل الاستقلال كان الحزب الاتحادي الديمقراطي والذى ينادى بالوحدة مع مصر، إلا أن معاملة الضباط الأحرار للرئيس المصرى محمد نجيب، الذي كانت له علاقات متميزة بالقوى السياسية السودانية بحكم عمله في السودان، دفعت البرلمان السوداني للتصويت بالإجماع لصالح الاستقلال التام عن مصر.

جذور الدولة السودانية الحديثة
تعود جذور الدولة السودانية الحديثة إلى الغزو الخديوي محمد علي باشا عام 1821. وقبل ذلك، كان السودان يتكوّن من ممالك مستقلة، أبرزها:
1. مملكة الشايقية في الشمال .
2. مملكة سنار الإسلامية، التي نشأت عام 1504 في وسط السودان بعد سقوط الأندلس بحوالي 12 عام فقط.. واستمر لمدة ثلاثمائة عام .
3. مملكة المسبعات في كردفان.
4. مملكة دارفور في أقصى الغرب.

أهداف الغزو الخديوي
تمحورت أهداف الغزو الخديوي حول ثلاثة عناصر رئيسية:
1. المال: علم محمد علي باشا بوجود كميات كبيرة من الذهب في جبال (بني شنقول) جنوب شرق السودان.
2. الرجال: اشتهر السودانيون بشجاعتهم العسكرية، ما جعلهم هدفًا رئيسيًا لتجنيدهم في جيشه.
3. تأمين مياه النيل: سعى محمد علي باشا للوصول إلى منابع النيل، مستعينًا برحالة غربيين لتحقيق ذلك وجنود سودانيين .

مساهمة الجنود السودانيين في الحروب
منذ ضم السودان، شارك الجنود السودانيون في حروب محمد علي باشا، وصولًا إلى الحروب الدولية، مثل دعم الإمبراطور ماكسيميليان الأول في المكسيك عام 1864، حيث أُرسلت أورطة سودانية مكونة من 453 جنديًا وذلك بطلب فرنسا صديقة الخديوي .

وفي عام 1925، أُنشئت “قوة دفاع السودان” لدعم المستعمر البريطاني في حروبه. وخلال الحرب العالمية الثانية، أبلت هذه القوة بلاءً حسنًا في معارك إريتريا ضد الإيطاليين، وفي العلمين وبرقة ضد الألمان، مما جعل القوات المسلحة السودانية أقدم مؤسسة وطنية وأكثرها انضباطًا.

خصوصية الجيش السوداني
يُعدّ الجيش السوداني المؤسسة الوطنية الوحيدة التي ظلت بعيدة إلى حدٍّ كبير عن القبلية والجهوية والعنصرية. كما أنه الجيش الوحيد في المنطقة العربية والإسلامية الذي خاض معارك ضد تمردات داخلية منذ ما قبل الاستقلال، ومنها :
1. تمرد أغسطس 1955: اندلع في الجنوب واستمر حتى اتفاقية أديس أبابا عام 1972.
2. تمرد مايو 1983: أيضا في جنوب السودان و استمر حتى اتفاقية نيفاشا عام 2005، التي أدت إلى انفصال جنوب السودان.
3. تمردات أخرى: استمرت في أطراف البلاد، حتى تمرد قوات الدعم السريع في أبريل 2023.

معركة بقاء الدولة السودانية
لم يكن تمرد قوات الدعم السريع تمردًا تقليديًا، بل سعى لإحلال وإبدال الدولة السودانية بالكامل، بدعم إقليمي من معظم دول الجوار، إلى جانب دعم عربي وغربي . وكادت المؤامرة أن تنجح خلال الساعات الأولى بنسبة 100% كما لمح لذلك محمد حمدان دقلو قائد التمرد، لولا فضل الله أولا ثم صمود القوات المسلحة السودانية والتفاف الشعب حولها.

واجهت القوات المسلحة نقصًا حادًا في السلاح والذخيرة خلال الأشهر الأولى من المعركة، بينما تلقت قوات الدعم السريع دعمًا مفتوحًا، حيث دخلت المعركة بقوات تُقدَّر بنحو 120 ألف جندي، كان أكثر من نصفهم داخل العاصمة وفي المواقع الاستراتيجية، بما في ذلك قيادة الجيش نفسه وحول وحداته المختلفه وحول القصر الرئاسي. في المقابل، لم يكن عدد قوات الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى مجتمعه داخل العاصمة حوالي 30 ألف جندي.

ورغم ذلك، استطاع الجيش السوداني تحقيق انتصارات غير مسبوقة، مُقدِّمًا تضحيات جسيمة، شملت سقوط رتب عسكرية عليا (عدد من اللواءات والعمداء والعقداء) في ميدان المعركة وأمام الجنود بل أن قائد الفرقة بمدينة نيالا اللواء (حفر قبره بيده) وطلب دفنه قبل سقوط مدينة نيالا، وهو أمر نادر الحدوث في تاريخ الجيوش الحديثة. إذ بلغت خسائر القوات المسلحة والقوات المساندة نحو 13 ألف شهيد خلال الأشهر الأولى، وارتفع العدد حتى اليوم ليُقارب 20 ألف شهيد، بينما قُدّرت خسائر قوات الدعم السريع و (قوات الفزع من دول الجوار) بحوالي 300 ألف قتيل .

أداء أسطوري للقوات المسلحة
بفضل إصرار الجنود السودانيين، تمكن الجيش من استعادة مساحات شاسعة من البلاد في وقت قياسي، تفوق مساحتها مساحة دول الخليج مجتمعة. وبذلك، أثبت الجيش السوداني أنه القوة الوحيدة القادرة على الحفاظ على وحدة السودان واستقلاله، متجاوزًا كل التحديات والمؤامرات الداخلية والخارجية.

إيطاليا تلغراف

 

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...