مسجد النخلة في طورينو: بوابة الخير والتعاون في شهر العطاء

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم بايطاليا

 

 

 

وسط أحياء مدينة طورينو، حيث تتشابك الثقافات وتتنوع الخلفيات، يبرز مسجد النخلة كواحة للسكينة والتآخي، يجسد روح الإسلام في أبهى صوره، جامعا بين العبادة والعطاء، ومجسدا قيم التكافل الإنساني في المجتمع. خلال شهر رمضان، يكتسب المسجد طابعا خاصا، حيث يتحول إلى بيت يجمع القلوب، ومأوى يعيد إلى النفوس الدفء الروحي الذي يحتاجه المغتربون في ديار الغربة.
عند اقتراب موعد الإفطار، تمتلئ أروقة المسجد بالصائمين الذين يحضرون لتناول وجبة الإفطار الجماعية التي تعد بكرم مغربي أصيل. الأجواء هنا ليست مجرد لحظة لتناول الطعام، بل هي فرصة للقاءات الأخوية، حيث يتبادل الحاضرون الأحاديث ويتشاركون لحظات الصفاء الرمضاني في جو يعيد إليهم ذكريات رمضان في أوطانهم.
لكن ما يميز مسجد النخلة ليس فقط موائد الإفطار التي تجمع الناس، بل أيضا حرصه على مد يد العون لمن يحتاج دون ضجيج أو إعلان. فعلى مدار العام، وخاصة في رمضان، يعمل القائمون على المسجد على تقديم مساعدات خاصة لعابري السبيل أو للحالات التي تمر بظروف استثنائية، ويتم ذلك في كتمان تام حفاظا على كرامة المحتاجين. قد يكون ذلك بمساعدتهم في توفير احتياجات أساسية، أو تقديم دعم مادي طارئ، أو حتى مجرد توفير مكان دافئ يلجأ إليه من تقطعت به السبل.


كما أن مسجد النخلة لا يغفل عن الجانب الروحي والتعليمي، إذ يستضيف طيلة الشهر المبارك مجموعة من الدعاة الذين يلقون محاضرات تتناول مواضيع إيمانية واجتماعية، بالإضافة إلى تنظيم جلسات قرآنية تعزز علاقة المصلين بكتاب الله. ولا يقتصر هذا الدور على الكبار فقط، بل يمتد ليشمل الأطفال الذين يجدون في المسجد بيئة تعليمية تربوية، تساعدهم على التعرف على دينهم بطريقة ميسرة.

وفي هذا السياق، توجهنا إلى السيد انجيلي رضوان رئيس المركز الثقافي مسجد النخلة، وسألناه عن دور المسجد في تعزيز التواصل مع المجتمع المدني بطورينو من خلال أنشطته الخارجية فقال : أن مسجد  النخلة يحرص على تعزيز العلاقات مع المجتمع المدني الإيطالي، من خلال التعاون مع البلديات والجمعيات الخيرية والكنائس، مما يفتح آفاقا جديدة للتفاهم والتعايش بين المسلمين وغيرهم. كما يشارك المسجد في حوارات الأديان والفعاليات الثقافية، مقدما الإسلام بصورته الحقيقية كدين يقوم على المحبة والتعاون والتراحم.
إن ما يقوم به مسجد النخلة في رمضان ليس مجرد تقديم الطعام أو إقامة الصلوات، بل هو رسالة حب وتآزر، وسعي مستمر لنشر الخير في المجتمع، دون انتظار مقابل. إنه نموذج للمسجد الذي يجمع بين دوره الروحي والاجتماعي، ليكون حقا بوابة الخير والتعاون لكل من يطرق أبوابه، في رمضان وخارجه.

من الصور التي تلامس القلوب في كل مساء رمضاني بمسجد النخلة، تلك الحركة الدؤوبة التي تسبق أذان المغرب، حين تُحضَّر الموائد في صمتٍ مفعم بالنية الطيبة، ويبدأ الصائمون بالتوافد واحدا تلو الآخر بعد الصلاة، كثيرون منهم من الشباب الذين تقطعت بهم سبل العمل أو الطلاب الذين يقضون أيامهم بين الدراسة والبحث عن فرصة. لا يجلس أحد بمفرده، ولا يشعر أحد بالغربة، فالمائدة هنا مساحة للتلاقي والسكينة، وفرصة للتواصل الإنساني في أبسط وأجمل صوره. ما يجعل هذه المبادرة أكثر إشراقا هو الجهد الجماعي الخفي: شباب متطوعون يسهرون على التنظيم، ونساء كريمات يعددن الطعام في الخفاء، بأياد تعبق بالمحبة والانتماء. إنها لحظات تختصر معنى رمضان الحقيقي، وتمنح المسجد نبضا يتجاوز الجدران ليصل إلى قلوب الجميع.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...