فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية
أثرت إشادة دونالد ترامب بنظيره أردوغان في استقرار السوق التركي، بعد ارتباك سبّبه اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وقد أعقب الاعتقال ذعر للمستثمرين جعل السوق تصاب باضطراب، وانخفضت قيمة الليرة التركية بوضوح. قال ترامب، لدى استقباله وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن تركيا مكان جيد، ورئيسها جيد. ولهذا التصريح مضامين عديدة، وتعني أن تركيا ستكون بعيدةً عن الضغوط الجمركية التي ينثرها ترامب يميناً ويساراً، وهذا يمنح تطمينات كبيرة للمستثمرين هناك الذين هدؤوا بالفعل، وبدأت الأمور تعود إلى ما كانت عليه من الناحية الاقتصادية، ولكن الرئيس الأميركي الذي اعتاد أن يعمل وفق قانون العرض والطلب ينتظر من تركيا أن تقدّم له شيئاً في المقابل، ومؤكّد أنه يعتمد عليها لتبقى المنطقة متوازنة، خاصة أنّه قد أصبح لها يد طولى في سورية، وانقطع تموين حزب الله، المتوقع أن يزداد الحصار عليه ليبقى بأقل قوة ممكنة. ومن دون تركيا، قد لا يكون هذا الخيار متاحاً، ومن المنتظر أن تنفذ تركيا بمهام أخرى على مستوى الإقليم كله، خاصة أن التهديد الإيراني ما زال قائماً، وتعمل الولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، على تنفيذ خطوة جديدة في خطتهما طويلة الأمد التي بدأت في أعقاب هجوم 7 أكتوبر (2023).
المهمة الأخرى التي ترغب الولايات المتحدة من تركيا في الاضطلاع بها من موقعها في سورية تأكيد عدم انفلات عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، وهذه إشارة مهمّة إلى أن مشكلة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في طريقها إلى الحل، وقد لا تنتظر مدة السنة التي تضمنها اتفاق أحمد الشرع مظلوم عبدي الذي وقّع أخيراً في العاصمة، فمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو محاصرة من تبقوا من أفراده، تتطلب وجوداً قوياً في المنطقة. وتبدو أميركا معوّلة على تركيا في هذا الملف، وغير مكتفية بـ”قسد”، فسجون المنطقة الشرقية تعج بمقاتلين سابقين مع عائلاتهم، وهي مشكلة لم تجد حلّاً بعد، وإيجاد حل حقيقي يتجاوز بكثير إمكانات “قسد” وحدها، وهناك بؤر من عناصر التنظيم نائمة على جانبي الفرات في الصحراء السورية، يمكن أن يكون العامل التركي حاسماً في القضاء عليها. ومرّة أخرى، يتطلب هذا الحسم تفاهماً سورياً ما بين دمشق والقامشلي، وبوابة هذا التفاهم واشنطن التي كان وزير الخارجية التركي ضيفاً مرحّباً به فيها.
ومن موقعها على حافة أزمة أخرى من أخطر أزمات أوروبا، يرجّح أن تلعب تركيا دوراً في خطة السلام القادمة بين أوكرانيا وروسيا، وهي أزمة طالت كثيراً، وقد تعهد ترامب بحلها، ولاقت تصريحاته صدىً إيجابياً عند بوتين. ومعروف أن هذه الخطّة أميركية بالأساس، من هندسة إدارة ترامب التي قسمت المسألة على اثنين، واحتفظت لنفسها بغنيمة جيدة باتفاق المعادن، وتحتاج الولايات المتحدة إلى موقف تركي قوي يؤمّن لها تنفيذ الخطة والالتزام بها على المدى الطويل. وتحتفظ تركيا بعلاقات مع طرفي الصراع، وهذا يمكّنها من لعب دور إيجابي لإيصال اتفاق السلام الموعود إلى طاولات التوقيع النهائي، وإسكات مصادر النيران التي استنزفت أوروبا طويلاً.
عاد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، من واشنطن بملفات ناجحة على أكثر من مستوى في الداخل والخارج، وبقي الملف الإيراني مفتوحاً، ومن المنتظر أن يتفاعل في الفترة المقبلة، بعد مهلة الشهرين التي أعطاها ترامب لحكام إيران. وفي هذا الملف أيضاً، تركيا أساسية، خضعت إيران لمطالب ترامب ورضيت أن تحجّم نفسها، أو اختارت الطريق الصعب. في الحالتين، تجد تركيا نفسها في الصف الأول للمواجهة. يمكن أن تنجح زيارة فيدان في إطفاء الشوارع بالمدن التركية، أو التخفيف من حدّة ضغطها بعد تلقي القيادة دعماً كبيراً من دولة بحجم أميركا، وتجدّد الثقة بأردوغان نفسه قائداً للمرحلة المقبلة، والمتوقع أن يبقى الرجل الأول في الدولة، سواء بانتخابات مبكرة أو بطرق سياسية أخرى.





