ميثاق وتعهُّد من مسيرة التضامن مع أهل غزة، داكا، 2025م

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
نبدأ باسم الله الجبار العادل، الذي يقف دائمًا بجانب المظلومين؛ ويكتب النهاية المخزية للظالمين.

 

 

نحن الشعب البنغلاديشي، الذي يعرف تاريخ الظلم والطغيان، ويحمل في قلبه روح الكفاح والمقاومة، نقف اليوم متضامنين مع أهل غزة الشجعان البواسل، الذين لا يهابون الموت، ولا يخافون الفناء في سبيل الحق.
إن تجمعنا الجماهيري اليوم، ليس مجرد اجتماعٍ للاحتجاج، ولا مسيرة شجب واستنكار، بل هو ردّنا أمام التاريخ، وعهدنا تجاه إخواننا المضطهدين، وقسمنا أمام رب العالمين.
نعلن مطالبنا الأساسية اليوم، من منصّة هذه المسيرة الاحتجاجية الكبيرة وهذا التجمع الجماهيري الضخم، على مستوياتٍ أربع:
أولًا- مطالبُنا الموجَّهة إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي
وذلك؛ لأن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يُعرِبان عن عزمهما والتزامهما بحماية حق الشعوب، ومنع الاحتلال والإبادة الجماعية؛
ولأن ما نشهده من سفكٍ لدماء الأبرياء، ودمارٍ للبنى التحتية والفوقية يوميًا في قطاع غزة، ليس فشلَ حكومة واحدة، بل هو نتيجة فشل دولي مشترك، يتحمل تبعاته كل العالَم؛
ولأن هذا الفشل لا يقتصر على الصمت والتخاذل، بل إن عددًا كبيرًا من الدول الغربية وحلفائها تدعم وتساند الكيان الصهيوني ودولة الاحتلال بالأموال الطائلة والأسلحة المتطورة والدعم السياسي واللوجستي المباشر، ما يؤدي إلى إطالة أمد هذه الإبادة الجماعية والمجازر الإنسانية؛
ولأن هذا النظام الدولي لا يواجِه دولةَ الاحتلال بالمساءلة والاعتراض، ولا يقف في طريقها حجرَ عثرة، بل يتسابق في حمايتها من العقوبة اللازمة والجزاء العادل؛
ولهذا، فإننا نطالب بشدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بما يلي:
1. محاكمة الكيان الصهيوني على الإبادة الجماعية والجرائم الوحشية في المحاكم الدولية.
2. اتخاذ الإجراءات الفعّالة والجماعية لوقف الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وليس مجرد وقف إطلاق النار.
3. إلزام الكيان الصهيوني بإعادة الأراضي المحتلة وخروجه إلى حدود ما قبل عام 1967.
4. يجب الاعتراف الدولي بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.
5. تمكين الفلسطينيين من حق تقرير المصير، والأمن، والسيادة الوطنية.
وإن قناع العدالة الذي يرتديه النظام العالمي الحالي قد سقط في أنقاض غزة وأطلال بنيتها المدمَّرة.
ثانيًا- مطالبُنا الموجَّهة إلى قادة الأمة الإسلامية
وذلك؛ لأننا نؤمن بأن فلسطين ليست قطعة أرض عادية، بل هي عنصر أساسي من هوية الأمة الإسلامية؛
ولأن قطاع غزة الآن ليست مجرد مدينة مدمرة بالحرب، بل هي صورة مخزية ناطقة بفشلنا الجماعي؛
ولأنه على عاتق كل فرد من أفراد الأمة، وكل دولة من دولها، وكل قيادة من قياداتها مسؤولية عظيمة وأمانة كبيرة، تلك الأمانة التي حمّلهم الله تعالى إيّاها برباط الإيمان وآصرة الأخوة؛
ولأن إسرائيل كيانٌ محتلٌ غاصبٌ، ومرتكبٌ للإبادة الجماعية والمجازر الإنسانية، والتي توظِّف كل طاقاتها التقنية وترسانتها العسكرية لتدمير قبلة المسلمين الأولى، ومحو وجود الشعب الفلسطيني بأكمله؛
ولأن الأيديولوجية الهندوسية المتطرفة (Hindutva) أصبحت الآن ممثِّلة المشروع الصهيوني في المنطقة، حيث تمارس الاضطهاد الممنهج وتقوم بالقمع المستمر ضد المسلمين والوجود الإسلامي؛
ولأن الحكومة الهندية قد تدخَّلت مؤخراً في قانون الوقف الإسلامي بشكل غير دستوري، وهو تجاوزٌ سافرٌ وانتهاكٌ صارخٌ للحقوق الدينية والتاريخية للمسلمين، ومن ثمّ يُعدّ ذلك إنذارًا واضحًا وصريحًا للأمة؛
ولهذا، فإننا ندعو بقوة حكومات العالم الإسلامي والمنظمات الإسلامية الممثِّلة للأمة، مثل منظمة التعاون الإسلامي إلى ما يلي:
1. قطع جميع العلاقات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية مع إسرائيل فورًا.
2. فرض الحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية ضد هذا الكيان الصهيوني.
3. الوقوف بجانب أهل غزة بجميع الإمكانات المادية والمعنوية، بما في ذلك المساعدات الطبية والغذائية والمأوى والحماية.
4. إطلاق حملة دبلوماسية فعّالة لعزل إسرائيل دوليًا.
5. مواجهة عدوان حكومة الهند اليمينية المتطرفة، شريكة الصهاينة في المنطقة، على حقوق المسلمين الدينية والقانونية، لا سيما الأوقاف الإسلامية، وذلك باتخاذ موقف دبلوماسي حازم واحتجاج رسمي صارم.
ولا يخفى أن الوقوف مع أهل غزة هو المسار الوحيد للحفاظ على شرف الأمة، وأن القيادات الصامتة والمتخاذلة اليوم ستقف بلا شك في محكمة التاريخ غدًا، وإن التاريخ لا يغفر لهم صمتهم وتخاذلهم.
ثالثًا- مطالبُنا الموجَّهة إلى حكومة بنغلاديش
وذلك؛ لأن بنغلاديش دولة ذات أغلبية مسلمة، وقد تأسَّس نضالها الاستقلالي على روح المقاومة ضد جميع أنواع الظلم؛
ولأننا نؤمن بأن موقف بنغلاديش الواضح تجاه القضية الفلسطينية ليس قائمًا على الاعتبارات الإنسانية فقط، بل إن موقف بنغلاديش التاريخي تجاه هذه القضية المركزية قائم على الاعتبار الإيماني أيضًا؛
ولأن بنغلاديش دولة ديمقراطية، فإن على حكومتها احترام التطلعات الإيمانية والأخلاقية للشعب البنغلاديشي؛
وقد تعهَّد شعبنا وأعلن بوقوفه مع أهل غزة، ومن ثمَّ فإن الصمت الرسمي الحكومي سيُعدّ تجاهلًا لتطلعات الشعب؛
ولهذا، فإننا نطالب الحكومة بشدة إلى ما يلي:
1. إعادة عبارة “باستثناء إسرائيل- Except Israel” إلى جواز السفر البنغلاديشي، والتعبير بوضوحٍ أكبر عن موقف بنغلاديش الرافض للاعتراف بإسرائيل.
2. إلغاء جميع الاتفاقيات مع المؤسسات الإسرائيلية، في حال وجودها.
3. اتخاذ التدابير اللازمة لإرسال المساعدات الإنسانية والطبية إلى قطاع غزة بشكل رسمي ومنظم.
4. إصدار التعليمات لمقاطعة منتجات الشركات الصهيونية في جميع المؤسسات الحكومية وسياسات الاستيراد.
5. الاحتجاج الرسمي الصارم ضد العدوان المستمر على المسلمين والأقليات الأخرى تحت رعاية الحكومة الهندوسية المتطرفة في الهند، حيث إن الهندوتفا لم تعد أيديولوجية محلية، بل أصبحت عنصرًا رئيسًا في التكتل الصهيوني العالمي.
6. إضافة قضية المسجد الأقصى، وقضية فلسطين، وتاريخ كفاح المسلمين في الكتب المدرسية وسياسات المناهج التعليمية، حتى تتربى الأجيال المسلمة القادمة على دراية بتاريخهم وتراثهم وهويتهم.
ولا يخفى أن الدولة ليست عبارة عن حدود مرسومة مجردة، بل الدولة أمانة على أعناق الشعب، ومن لم يحفظ هذه الأمانة فإن التاريخ لن يرحمه.
رابعًا- مطالبُنا الموجَّهة إلى أنفسنا، وهي في الحقيقة تعهُّدٌ ذاتيٌ والتزامٌ شخصيٌ
وذلك؛ لأننا نؤمن بأن القدس ليست مجرد مدينة عادية، بل هي جزء من إيماننا وعقيدتنا؛
ولأننا نعلم أن تحرير المسجد الأقصى لا يكون بأيدي الآخرين، وإنما يكون بأيدي جيلٍ من أجيالنا؛
ولأننا ندرك الآن أن تأسيس الأيديولوجيا الصهيونية لم يكن إلا نتيجة من نتائج نسياننا لذواتنا وهويتنا؛
ولأننا إنْ لم نستعدّ اليوم، فإن أبناءنا وبناتنا قد يدركون غدًا بنغلاديش تلعب على مسرحها الصهيونية والهندوسية المتطرفة لتخلق غزة جديدة؛
ولأن غزة مرآتنا جميعًا، حيث نرى من خلالها أن معنى كونك مؤمنًا لا يعني البقاء فحسب، بل يعني الصمود والثبات؛
ولهذا، فإننا قاطنو هذه الأرض، ومواطنو هذه الدولة المسلمة، وأبناء هذا الشعب المسلم، وقبل كل ذلك: نحن أعضاء هذه الأمة الإسلامية نتعهد بإخلاص بما يلي:
1. سنقاطع كل منتج وشركة ودولة وقوة تدعم الكيان الصهيوني وتعمل لبقائه.
2. لا بد أن نُعِدّ أنفسنا ومجتمعنا وأجيالنا القادمة، التي ستقوم بمهمة الحفاظ على شعائر الإسلام كلها، وشعارات الأمة الإسلامية جميعها، وتستعيدها، بإذن الله؛
3. سنربِّي أطفالنا على معاني البذل والتضحية بالنفس والمال لحماية مُثُلهم وأرضهم؛
4. لن نفترق بعد اليوم؛ لأننا نعلم أن الأمة المتفرقة يمكن احتلالها بكل يسر، ولهذا سنبقى متحدين، حتى لا تصبح دولتنا، بنغلاديش، غزة الآتية لأي مشروع هندوسي متطرف.
حيث سنبدأ من بيوتنا؛ نبدأ من اللغة، ومرورًا بالتاريخ، والتعليم، والثقافة، والاقتصاد، والمجتمع؛ لنضع بصمات هذا التعهد وهذا الالتزام في كل مكان.
ولا بد أن نتذكر دومًا أن شهداء غزة لا يطلبون منا الدعاء فقط، بل يطلبون منا الإعداد والاستعداد أيضًا.
كلمات ختامية
السلام على أهل غزة العظام، السلام على أولئك الذين ضربوا أروع الأمثلة في الصبر والتجلّد، والذين أثبتوا إيماناً لا يتزعزع ويقينًا لا يتحرك، والذين أضرموا نار الكفاح وسط الأنقاض وفي خضمّ الأطلال، والذين تحمّلوا آلام الصمت وأوجاع التخاذل من هذا العالم، وتقبَّلوا لا-مبالاته بوجوه باسمة وطلائع مبتسمة.
السلام على روح هند رجب، وريم، وفادي أبو صلاح، والسلام على أرواح جميع الشهداء الذين زادوا أرض غزة حرمة وحرامًا بدمائهم الزكية الطاهرة، وكانت أعينُهم شعلةَ كفاحٍ وجمرةَ مقاومةٍ.
السلام على أهل القدس الشامخين الذين تصدَح هتافاتُهم أرجاء الأرض بشعار: القدس لنا! والقدس لنا!!
تهانينا الخالصة إليكم يا أهل غزة!
إنكم قد كتبتم ملحمة حيّة من الإيمان والصبر والتضحية، وقد أظهرتم للعالَم قوة الإيمان وصلابة التوكل على الله.
ها نحن -شعب بنغلاديش- نحيّيكم من أرض شاه جلال والحاج شريعة الله، ونبعث بمودتنا وتهانينا إلى شهدائكم، ويتردد في صدورنا هذا الدعاء: اللهم اجعل أرض غزة الشجاعة الحجارة التي تتحطم عندها جميع مكائد الصهاينة.

بالنيابة عن جميع أطياف الشعب البنغلاديشي،
حركة التضامن مع فلسطين، بنغلاديش
ترجمة الميثاق: حسين محمد نعيم الحق


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...