عبد الله مشنون
كاتب وصحفي مقيم بايطاليا
في خطوة غير مسبوقة قد تعيد رسم خطوط العلاقة بين الدوحة وواشنطن، طفت إلى السطح أنباء عن اعتزام دولة قطر تقديم طائرة فاخرة من طراز “بوينغ 747-8” للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في وقت تتداخل فيه السياسة مع البروتوكول، والمصالح مع الرمزية.
هذه الطائرة، المعروفة بين المتخصصين بلقب “القصر الجوي”، لا تمثل فقط تحفة هندسية طائرة، بل تكتسب بعدًا جيوسياسيًا معقدًا، خاصة في ظل تصاعد النقاشات داخل الأوساط القانونية الأمريكية حول ما إذا كانت هذه الهدية تنتهك بند “المكافآت” الدستوري (Emoluments Clause)، الذي يفرض قيودًا صارمة على تلقي المسؤولين الأمريكيين لهدايا أو امتيازات من حكومات أجنبية.
ورغم أن الطائرة ستُسجَّل مؤقتًا باسم وزارة الدفاع الأمريكية تحويل ملكيتها إلى مؤسسة ترامب الرئاسية غير الربحية، فإن مراقبين يعتبرون الأمر خرقًا ضمنيًا لتقاليد الدولة العريقة، خاصة في ظل حساسية المرحلة السياسية التي يمر بها ترامب بعد عودته إلى واجهة المشهد الجمهوري.
الأمر يتجاوز القيمة المادية للطائرة، التي تُقدَّر قيمتها بحوالي 400 مليون دولار، إلى ما تحمله من رمزية. فمن المعروف أن قطر تمتلك واحدًا من أكثر الأساطيل الخاصة تطورًا في الشرق الأوسط، وارتبط اسم الطائرة المُهداة بشخصية نافذة في الدوحة هي الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الذي يُعدّ أحد رموز المال والسياسة في الخليج. وبالنسبة لترامب، الذي لطالما تغنى بالفخامة والترف، فإن هذه الطائرة تمثل تجسيدًا لهويته البصرية القديمة كرجل أعمال لا يعترف بالتواضع.
لكن ما يثير تساؤلات حادة داخل مراكز الفكر الأمريكية هو التوقيت والدلالة: لماذا الآن؟ ولماذا ترامب دون غيره؟ وهل نحن أمام مجرد “مجاملة دبلوماسية” أم خطوة محسوبة ضمن استراتيجية نفوذ أوسع في واشنطن؟
فمن جهة، تسعى قطر منذ سنوات إلى تعزيز نفوذها في الولايات المتحدة عبر قنوات متعددة، تشمل الاستثمار الرياضي والعقاري والإعلامي. ومن جهة أخرى، لا تخفي بعض الدوائر القطرية تفضيلها لأسلوب ترامب البراغماتي مقارنة بالإدارات الديمقراطية التي غالبًا ما تربط العلاقات بالملف الحقوقي.
وبينما يتهيأ ترامب لزيارة مرتقبة إلى الدوحة، قد تكون الأولى له بعد فوزه بولاية ثانية (في حال صحّت التوقعات)، تبدو الطائرة أشبه ببطاقة عبور نحو مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، حيث لا تُدار التحالفات فقط عبر اتفاقيات الدفاع والطاقة، بل أحيانًا… عبر طائرات فاخرة .