عبد الله مشنون
كاتب وصحفي مقيم بايطاليا
في زمنٍ تتكاثر فيه العناوين وتقلّ المضامين، ويتحول الإرشاد النفسي والتربوي إلى وصفات جاهزة وأدوات تجارية، يبرز الدكتور مصطفى أبو سعد كأحد الأسماء القليلة التي نجحت في الجمع بين العمق العلمي، والصدق الإنساني، والأثر التربوي الملموس. لم يكن مجرّد مغربي غادر وطنه بحثًا عن شهادة أو وظيفة، بل كان مشروعًا إنسانيًا متنقلاً، بدأ من الدار البيضاء وامتدّ أثره إلى فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة، ثم استقرّ به المقام في دولة الكويت، حيث يحظى اليوم بمكانة رفيعة بين الأكاديميين والمفكرين والمربين، ويحظى باحترام خاص من المؤسسات التربوية والثقافية.
حصل الدكتور مصطفى أبو سعد على تكوين أكاديمي متين في علم النفس التربوي من مؤسسات تعليمية مرموقة في أوروبا والولايات المتحدة، غير أن شغفه بالإنسان وهموم الأسرة والمجتمع، دفعه لتجاوز الأطر النظرية، وتكريس جهده لنقل هذا العلم بلغة يفهمها الجميع: الطفل والمراهق، الأب والأم، المربي والمعلم.
بأسلوب بسيط، لكنه عميق، صار اسمه مرادفًا للتوازن والطمأنينة، لا يعلو صوته فوق صوت القيم، ولا تتحوّل معرفته إلى استعراض. يجيد الإصغاء أكثر مما يجيد الخطابة، ويتقن فنّ مرافقة النفس دون إطلاق الأحكام. من خلال برامجه التلفزيونية والإذاعية، ومؤلفاته التي تصدرت قائمة الكتب التربوية في العالم العربي، أصبح مرجعًا حيًّا لكل من يبحث عن إجابات تربوية واقعية بعيدة عن التنظير الجاف أو التنميط.
في دولة الكويت، حيث يقيم منذ سنوات، أسس الدكتور أبو سعد حضورًا تربويًا وفكريًا وازنًا. لم يكن مجرد وافد أكاديمي، بل أصبح جزءًا من المشهد الثقافي الكويتي والخليجي، بفضل مشاركاته الدائمة في المؤتمرات التربوية والملتقيات الفكرية، إلى جانب تقديمه دورات تدريبية وورش عمل داخل المؤسسات التعليمية. ينوه في أحاديثه بالقيم الكويتية الأصيلة، وبما تتميز به الهوية العربية والخليجية من تمسك بالأسرة واللغة والدين، ويعتبر أن هذه القيم تشكل أساسًا صلبًا يمكن البناء عليه في سبيل تربية جيلٍ واعٍ وراسخ الهوية.
لم يكن مسجد طورينو للجالية المسلمة الذي أسسه سوى انطلاقة لرؤية أوسع: تحويل المساجد من فضاءات شعائرية إلى مراكز إشعاع فكري وتربوي. من خلال هذا الفضاء، أطلق مبادرات لتأطير الشباب، ومرافقة الأسر، وترسيخ الهوية المغربية والمسلمة في قلب أوروبا، في مواجهة تحديات الاندماج وفقدان الانتماء.
ومع كل هذا، لم يغب قلبه العربي. كان دائم الحضور في القضايا الكبرى للأمة، من القضية الفلسطينية إلى هموم الجاليات العربية والمغاربية والافريقية المهاجرة في أوروبا، وحرص على جعل التربية أداة ناعمة لمقاومة العنصرية والاغتراب، عبر ما سماه “ترميم الإنسان من الداخل”.
كتب الدكتور مصطفى أبو سعد ليست كتبًا تقرأ لمرة واحدة، بل مفاتيح للحياة اليومية، منها:
التربية النبوية وسمات المربي الايجابي
الحاجات النفسية للطفل
استراتيجيات التربية الايجابية
الأطفال المزعجون
المراهقون المزعجون
هكذا نربي
رخصة القيادة التربوية
التربية من منظور ورؤية إسلامية
سلسلة حاجات المراهقين:
الاحترام
الحرية
تعرف على ذاتك
كيف أتعامل مع مشكلات أطفالي؟
وغيرها من الكتب
كل كتاب منها ليس مجرد نصا تربويا، بل خارطة طريق للأسرة، ودليل مبسّط لكل من يريد فهم احتياجات الطفل والمراهق في هذا العصر المزدحم.
لم تكن شواهده الأكاديمية مجرد أوراق مُزيّنة، بل كانت بوّابة إلى ساحات الفعل، حيث عرفه الجمهور العربي من خلال حضوره الهادئ، العميق، والمؤثر في عدد من البرامج التلفزيونية والإذاعية على قنوات مثل:
الجزيرة مباشر
الجزيرة: للقصة بقية وصباح الجزيرة
قناة المجد
الرسالة
اقرأ
روتانا خليجية
تلفزيون الكويت
قنوات مغربية وعربية مختلفة
رغم تواضعه وبعده عن الأضواء، إلا أن تأثيره بات جليًّا في آلاف الأسر العربية، وفي وعي تربوي جديد يتشكّل على يديه. تميّز خطابه بالبعد الإنساني المتوازن، واحترامه لاختلاف البيئات الثقافية، مع حرصه على التأصيل العلمي المدعوم بالخبرة الميدانية.
وفي وقتٍ يضيع فيه الكثير من المختصين بين الشهرة الفارغة والسطحية، يواصل الدكتور مصطفى أبو سعد أداء رسالته بصمتٍ مؤثر، وعطاء لا ينضب.
في زمن تتداخل فيه المفاهيم، وتُستبدل القيم بالشعارات، يظل الدكتور مصطفى أبو سعد علامة فارقة في عالم التربية والإرشاد. هو المرشد الذي لا ينطفئ، والمربي الذي لا يصدر أحكامًا بل يزرع الاطمئنان، والمثقف الذي ينتمي لأمته دون صخب، ويؤمن أن بناء الإنسان هو أولى الأولويات.
فكم نحتاج اليوم، في مجتمعاتنا المتعبة، إلى أصوات مثله؟
أصوات تنير، لا تزايد… وتربّي، لا تُرهب… وتبني، لا تهدم.