مغربيات العالم في اليوم الوطني للمهاجر والمهاجرة بين الاعتراف الرمزي والتمثيل الفعلي في المؤسسات الوطنية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

بقلم مونية علالي

 

يشكل مغاربة العالم، بمختلف أجيالهم، رصيدًا بشريًا واستراتيجيًا مهمًا للوطن، ليس فقط على مستوى التحويلات المالية والاستثمار، بل أيضًا من حيث المساهمة في إشعاع صورة المغرب دوليًا والدفاع عن قضاياه الحيوية. وعلى الرغم من حضور ملف الجالية بشكل بارز في الأجندة الرسمية، سواء من خلال اليوم الوطني للمهاجر أو من خلال الخطابات الملكية، فإن السؤال المركزي يظل قائمًا: إلى أي مدى تُترجم هذه الرمزية إلى تمثيل مؤسساتي فعّال، يضمن مشاركة فعلية لمغاربة العالم، وخاصة النساء، في صنع القرار الوطني؟

اليوم الوطني للمهاجر… ضرورة الخروج من الاحتفالية
منذ إقراره، حمل اليوم الوطني للمهاجر رمزية خاصة باعتباره اعترافًا رسميا بمكانة الجالية. لكنه في كثير من الأحيان بقي أسير الطابع الاحتفالي والبروتوكولي، دون أن يتحول إلى منصة لتقييم السياسات العمومية أو لاتخاذ قرارات عملية. في ظل التحولات العالمية وتزايد التحديات التي تواجه الجالية، يجب أن يصبح هذا اليوم ورشة سنوية مفتوحة، تلتقي فيها الدولة بممثلي الجالية لتحديد الأولويات ومتابعة تنفيذها، بدل الاكتفاء بخطابات عمومية.

حضور قوي في الخطاب الملكي… وفجوة في الأجرأة
يحضر ملف الجالية المغربية بقوة في الخطابات الملكية، وهو ما يعكس رؤية استراتيجية تعتبر هذا المكوّن امتدادًا للوطن وأحد ركائزه في التنمية والدبلوماسية الموازية. غير أن الإشكال يكمن في فجوة الأجرأة، حيث تبقى الكثير من التوجيهات الملكية حبيسة النصوص دون آليات متابعة صارمة. المطلوب اليوم هو خلق مؤسسات وآليات عمل قادرة على تحويل هذه التوجيهات إلى سياسات عملية، مع تحديد مؤشرات لقياس النتائج ومساءلة الفاعلين عن التأخر أو التقصير.
الهوية الثقافية ودور المرأة… حارسة الموروث في المهجر
المرأة المغربية المقيمة بالخارج تضطلع بدور أساسي في الحفاظ على اللغة، القيم، والعادات المغربية في بيئة متعددة الثقافات وهي أيضا حاضنة وممررة للممارسات الروحية والدينية المرتبطة بالهوية المغربية ونموذج التدين المغربي الوسطي المعتدل. غير أن هذا الجهد الفردي غالبًا ما يفتقر إلى الدعم المؤسسي، سواء عبر برامج تعليم اللغة والثقافة للأجيال الجديدة، أو من خلال دعم المبادرات الثقافية التي تطلقها النساء في المهجر. إذا أردنا أن نحافظ على استمرارية الهوية المغربية لدى الأجيال القادمة، فعلينا أن نمكّن المرأة المهاجرة كفاعل ثقافي رئيسي، وتزويدها بالبرامج والأدوات التي تساعدها على أداء هذا الدور وبالوسائل التي تجعلها شريكًا معترفًا به في السياسات الثقافية.

لكي لا ننس مدونة الأسرة ورهانات نساء المهجر
إصلاح مدونة الأسرة يشكل فرصة تاريخية لمواءمة التشريعات مع الدستور وروح المساواة. بالنسبة لنساء المهجر، هناك تحديات خاصة مرتبطة بحالات الزواج والطلاق والحضانة العابرة للحدود، حيث تتقاطع القوانين المغربية مع قوانين بلدان الإقامة. إدماج أصوات النساء المهاجرات في ورش الإصلاح ليس خيارًا تكميليًا، بل ضرورة لضمان أن تعكس المدونة واقع جميع المغربيات، داخل الوطن وخارجه.

التمثيلية السياسية والنسائية، من مجلس النواب إلى المؤسسات المتخصصة
المشاركة السياسية الفعلية للجالية المغربية في مجلس النواب لا تزال مطلبًا متعثرا، رغم التنصيص الدستوري على إشراك مغاربة العالم في المؤسسات المنتخبة. مطلب تخصيص نسبة الثلث للنساء في اللوائح ولمغربيات العالم في تلك المخصصة للجالية بالانتخابات المقبلة، إن تم تبنيه، سيكون خطوة أساسية نحو تكافؤ الفرص وضمان صوت نسائي مؤثر.
لكن التمثيل لا يقتصر على مجلس النواب فقط. هناك مؤسسات وطنية في طور إعادة الهيكلة أو التجديد، مثل مجلس الجالية المغربية بالخارج والمؤسسة المحمدية لمغاربة العالم، التي يفترض أن تعكس تركيبتها التنوع الجندري، وأن تمنح النساء، وخاصة من المهجر، مواقع قيادية حقيقية، بدل الحضور الرمزي. فأي غياب لتمثيل وازن للنساء داخل هذه المؤسسات يعني تغييب قضاياهن في رسم السياسات الموجهة للجالية.

نحو شراكة حقيقية مع مغربيات العالم
إن مغربيات العالم لسن فقط جسورًا ثقافية أو قوى اقتصادية، بل هن فاعلات سياسيات وثقافيات واجتماعيات، يطالبن بموقع مستحق في منظومة اتخاذ القرار. اليوم، ومع النقاشات الجارية حول مدونة الأسرة وإعادة هيكلة مؤسسات الجالية، لدينا فرصة تاريخية لضمان أن يكون تمثيل النساء، وخاصة من المهجر، ليس مجرد شعار، بل واقعًا مؤسساتيًا يُترجم في القرارات والسياسات.

إيطاليا تلغراف

 

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...