الإعلام بين الخطاب المعلن والعداء المبطّن: حالة قناة الجزيرة وموقفها من وحدة المغرب الترابيّة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

 

 

 تؤكد دولة قطر، عبر بياناتها الرسمية ومواقفها الدبلوماسية، دعمها الثابت لوحدة المغرب الترابية، واصطفافها إلى جانب المملكة المغربية في مقترح الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي لنزاع الصحراء. غير أن المفارقة الصارخة تكمن في أداء قناة الجزيرة التي تصرّ، في تقاريرها وخرائطها، على التعامل مع الصحراء المغربية ككيان منفصل أو “منطقة متنازع عليها”، بما يعاكس الموقف القطري الرسمي، ويشكّل طعنة إعلامية لسيادة المغرب وشرعيته التاريخية.
 هذا السلوك الإعلامي لا يمكن عزله عن خلفية سياسية واضحة، تتجاوز ادعاءات “الحياد الصحفي”. فالمتابع المتأني يلحظ أن خط التحرير داخل القناة يتأثر بخلفيات إيديولوجية وحسابات سياسية ضيقة، يغلب عليها حضور بعض التيارات الفلسطينية والسورية الحاقدة على المغرب، لا لشيء سوى لأن المملكة اختارت، وفق سيادتها وحقها الدستوري، أن تبني علاقاتها الخارجية وأن تنفتح على من تشاء من دول العالم، بما فيها خيار التطبيع أو الشراكات الاستراتيجية مع قوى دولية وإقليمية.
 هنا تبرز إشكالية ازدواجية الخطاب الإعلامي والسياسي: فبينما ترفع قطر في المحافل الرسمية لواء دعم المغرب ووحدته، تمارس قناة الجزيرة سياسة معاكسة، عبر التضليل البصري والرمزي في خرائطها، والترويج لمغالطات قانونية وسياسية تصب في مصلحة أطراف معادية لوحدة المغرب الترابية. إنها سياسة عدائية مقنّعة، تسعى إلى تكميم الحقيقة وتزييف الوعي الجماعي العربي تجاه قضية عادلة وحسمها التاريخي لصالح المغرب.
 إن أخطر ما في خطاب الجزيرة ليس فقط ما تبثه من أخبار زائفة أو تحليلات منحازة، بل ما تتعمد التستّر عليه وإخفاءه عندما يتعلق الأمر بأطراف أخرى. ففي حين تفتح منابرها للتهويل ضد المغرب، تغضّ الطرف عن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في دول معيّنة، وتصمت صمتًا مطبقًا عن جرائم ماثلة، مما يكشف عن تحيز ممنهج قائم على منطق الكيل بمكيالين.
 وهنا نستحضر قول الإمام الشافعي رحمه الله:
“وَعَينُ الرَّضا عَن كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ، وَلَكِنَّ عَينَ السُّخطِ تُبْدِي المَسَاوِىءَ”.
 إن قناة الجزيرة لم تعد مجرد منبر إعلامي، بل أضحت أداة سياسية لتصفية حسابات إقليمية، تنفث سموم الحقد والكراهية، وتعمل على تمزيق الصف العربي باسم “حرية الصحافة”. إن مسؤولية الباحثين والإعلاميين العرب اليوم هي كشف هذا التناقض، وتعريه خطاب القناة الذي لم يعد يخفى على أحد أنه خطاب موجَّه، عدائي، وأداة لتمرير أجندات تخدم مشاريع الفوضى والتمزيق لا الوحدة والبناء.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...