عبد القادر الفرساوي
حين يكتب بعض الصحفيين الإسبان عن المغرب، يقدمون الفساد وكأنه عاهة حصرية لدى جيرانهم الجنوبيين، فيربطونه بالبطالة وغياب العدالة الاجتماعية ومعاناة الشباب. لكن، أليس من الغريب أن يأتي هذا الكلام من بلد عايش فضائح فساد هزت أركان أحزابه ومؤسساته الملكية والمالية؟
إسبانيا نفسها لم تسلم من لعنة الفساد:
قضية “غورتيل” Gürtel أطاحت بحكومة الحزب الشعبي سنة 2018 بعدما كشفت المحاكم شبكة من المقاولين والسياسيين تقاضوا رشاوى بالملايين مقابل عقود وهمية، وحولوا صناديق الحزب إلى خزائن للمال الأسود.
قضية “ERE” في الأندلس سرقت أكثر من 680 مليون يورو مخصصة للعمال المسرحين، فذهب الدعم إلى جيوب قيادات سياسية بدلا من إنقاذ العائلات.
قضية “نووس” Nóos أدخلت صهر الملك حينها، إيناكي أوردانغارين، السجن بعد اختلاس ملايين اليوروهات عبر مؤسسات صورية.
قضية Bankia وفضيحة Tarjetas Black كشفت كيف تحولت البنوك إلى بؤر للنهب المنظم، حيث استعمل مسؤولون بطاقات مصرفية سرية للإنفاق الشخصي وكأن المال العام إرثاً عائليا.
فهل بعد كل هذا يحق لإسبانيا أن تنصب نفسها مقيّماً على نزاهة الآخرين؟
الواقع أن الفساد لا جنسية له. إنه لا يتحدث بالعربية أو الإسبانية، ولا يحمل جواز سفر مغربيا أو أوروبيا. إنه يتغذى على غياب الشفافية وضعف المؤسسات، ويترك الشباب —هنا وهناك— في مواجهة مستقبل مسروق.
في المغرب، يقف الشاب أمام مكاتب التشغيل يحمل شهادة عليا، فلا يجد وظيفة، ويشعر أن ثروات بلده تذهب إلى جيوب قلة محظوظة.
وفي إسبانيا، يقف شاب آخر في طابور البطالة، يعرف أن أموال الدعم التي كان يمكن أن تمنحه فرصة قد ابتلعتها قضايا مثل ERE وBankia، ثم يُطلب منه الصبر باسم الوطنية.
كلاهما يعيش المرارة نفسها، وإن اختلفت اللغة والضفة.
لكن ثمة حقيقة أكبر: استقرار المغرب ليس مصلحة مغربية فقط، بل إسبانية وأوروبية أيضا. كلما كانت العدالة الاجتماعية أقوى في المغرب، قلت ضغوط الهجرة، وتراجعت المخاوف الأمنية التي تؤرق مدريد وبروكسل. وكلما انكسر طوق الفساد في إسبانيا، زاد احترامها لدى جيرانها وقويت ثقة مواطنيها في ديمقراطيتها.
من مصلحة الضفتين أن يُعالج الفساد لا أن يستعمل كحجر للتراشق الإعلامي. فالمغرب وإسبانيا جاران محكومان بجغرافيا لا ترحم: إذا اهتزت الدار البيضاء، يرتج صدى الاضطراب في مدريد، وإذا عمت الفوضى في الأندلس، ينعكس أثرها على طنجة.
لهذا، فإن السؤال ليس “من يهتم بالشباب المغربي؟” كما طرح الصحفي الإسباني خوصي إيغناثيو، بل: من يهتم بالشباب على الضفتين معا، وكيف يمكن أن نحمي استقرارنا المشترك من سرطان الفساد؟
لا يحق لمن يعيش في بيت من زجاج أن يرمي غيره بالحجارة.