حُكم اليمين في إسرائيل الأكثر رسوخاً

إيطاليا تلغراف

 

 

 

أنطوان شلحت
كاتب وباحث فلسطيني

 

 

تثبت نتائج آخر استطلاعات الرأي العام في إسرائيل فيما يتعلّق بالانتخابات العامة أن حكم اليمين يبدو الأكثر رسوخاً، وأنه حتى في حال اختمار الأسباب الإسرائيلية المخصوصة لـ”التغيير” فسيكون ذلك في اتجاه حُكم الوسط الأقرب إلى اليمين.

وإلى أن يحين وقت الحديث عن احتمالات مثل هذا “التغيير”، ومسوّغات المآل الذي نتوقعه، سنركز في ما يبرهن على مقولة أن حُكم اليمين يبدو راسخاً. قبل ذلك، لا بُد أن نشير إلى أنه سبق لبنيامين نتنياهو أن نقل حزبه (الليكود) من يمين الوسط إلى أقصى اليمين، سعياً لكسب أصوات من الأحزاب التي تسوّق نفسها بأنها تقف إلى يمين الليكود.

ثمة أسباب كثيرة تبرّر الاستنتاج بشأن حُكم اليمين الأكثر رسوخاً، اثنان منها لهما وقع أكبر: الأول، التغيرات الديموغرافية لدى المجتمع اليهودي التي تشير إلى أن هناك ازدياداً مضطرداً في عدد اليهود الحريديم والمتدينين، في مقابل انخفاض عدد العلمانيين. الثاني، التحوّلات التي طرأت على الخطاب السياسي الإسرائيلي.

وبخصوص الخطاب السياسي، نوّهنا مرات كثيرة في السابق بأن نتنياهو وأقطاب الليكود واليمين يركزون على الشأن الأمني في الحملات الانتخابية، في مقابل تركيز “معسكر الوسط- اليسار” أكثر على الشأن الاجتماعي- الاقتصادي، وما حدث نتيجة لذلك أن الشأن السياسي، وفي صلبه الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، الذي كان في الماضي يشغل بهذا القدر أو ذاك مكاناً رئيسياً في المعركة الانتخابية، نُحي إلى هامش الانتخابات أكثر فأكثر. وشفّت هذه التنحية أكثر شيء عن واقع وجود إجماع إسرائيلي واسع على أن احتمالات التوصل في الوقت الحالي إلى تسوية دائمة تضع حدّاً للصراع منخفضة للغاية.

أكثر من ذلك، وعلى صعيد مضمون الخطاب السياسي، نأت معظم الأحزاب الإسرائيلية بنفسها عن الحديث حول السلام، وانزاحت نحو مواقف اليمين. وللتمثيل على ذلك يكفي أن نشير، مثلاً، إلى أنه قبل عقد تبنّى زعيم “المعسكر الصهيوني” يتسحاق هيرتسوغ (رئيس حزب العمل)، الذي انتخب لاحقاً رئيساً للدولة، عدداً من لاءات نتنياهو، وفي مقدمتها “لا” لأي تسوية سياسية تتضمن تقسيم القدس. وبالتزامن مع ذلك أعلن رئيس حزب “يوجد مستقبل”، يئير لبيد، أنه لن يؤيد تقسيم القدس، وحرص رئيس حزب وسط جديد باسم “كلنا”، موشيه كحلون، على أن يؤكد انتماءه إلى “المعسكر القومي”، وحتى رئيسة حزب ميرتس (يساري)، زهافا غالئون، قالت إنها نادمة على قرار مقاطعة منتجات المستوطنات في هضبة الجولان السورية المحتلة.

وفيما يخص تركيبة المجتمع الإسرائيلي، تُظهر أبحاث متعدّدة أفولاً مستمراً لقوة التيارات الصهيونية العلمانية الأشكنازية التي قادت تاريخياً المرحلة الأولى من الدولة، وحكمت إسرائيل حتى عام 1977، وتعزو ذلك إلى تحولات ديموغرافية واجتماعية عميقة حوّلت إسرائيل بالتدريج إلى مجتمع مهاجرين أكثر تديناً ويمينية. وتشير الإحصائيات مثلاً إلى أن أكثر من 10% من السكان في إسرائيل من الحريديم (25% في منتصف القرن الـ21)، و40% من المتدينين غير الحريديم والمحافظين دينياً، في مقابل نسبة أقل من الثلث من العلمانيين، وهذه الأخيرة آخذة بالانخفاض في ضوء الحرب على قطاع غزة، ويتوقع لها أن تنخفض أكثر في العقود المقبلة. كما تُظهر الإحصائيات أن نسبة الخصوبة بين المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة منذ 1967 تزيد عن معدلها داخل أراضي 1948 بكثير، وهناك سياسات تهدف إلى تشجيع الانتقال للعيش في المستوطنات، وزيادة أعداد المستوطنين بشكل متواصل.

ولقد نتج عن طغيان الموضوع الاقتصادي – الاجتماعي على أجندات الوسط – اليسار والموضوع الأمني على أجندة اليمين، غياب موضوع الاحتلال، وأتى ذلك في ظل شبه استقرار الوضع الأمني حتى هجوم طوفان الأقصى، وعدم وجود تحدّيات أمنية عصيّة مباشرة، سواء إقليمية أو محلية، في ظل صوغ أي مواجهة مع الفلسطينيين بلغة الأمن ونزعها عن سياق الاحتلال، بل واعتبارها دليلاً على عدم إمكان الحل مع الجانب الفلسطيني من جهة، وعلى ضرورة تثبيت مفهوم إدارة الصراع من جهة أخرى.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...