ذ . عبدالبصير جمال أحمد عيد
تنهال المكالمات في اللحظة التي كنتُ أنوي أن أجلس على أريكتي وأستمتع ببعض الهدوء لمشاهدة فلم “آكشن” كان قد نصحني أحد الأصدقاء أن أُشاهده. يرن الهاتف فأجيب، فإذا هو ابن عمي يقول لي: “افتح على الأخبار!” ثم أغلق الخط!، لم ألحق أن أغلق الهاتف وإذا به صديقي يرن أيضاً: فتحت الخط وتكلمتُ معه: “نعم صديقي”!؟ “افتح التلفاز على الأخبار؟!” قلت: “ما الأمر؟! ماذا هناك؟!”، قال لي: “بيروت!” وأغلق الخط. هذه كانت اللحظات الأولى قبل أن أرى المشاهد المرعبة من هناك، من بيروت من لبنان عبر وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي.
يتسائل البعض لماذا كل هذا التعاطف مع بيروت؟ لماذا كل هذا التعاطف مع لبنان؟ لماذا لم يتعاطفوا مع سوريا كما تعاطفوا مع بيروت؟ لماذا لم يتعاطفوا مع غزة والعراق وليبيا واليمن؟ هذه بعض الأسئلة التي طرحها البعضُ على مواقع التواصل الإجتماعي في الوقت الذي مازالت فيه بيروت تحترق! ومازالت الشوارع يتناثر فيها الزجاج والحطام؟ ومازالت السماء تغطيها سحب الدخان! وكأن القيامة قد حلت بهم على حين غرة.
إن حجم التعاطف العربي والعالمي تجاه الفاجعة التي حلت ببيروت ينم عن مكانة بيروت ولبنان في قلوب الشعب العربي والعالمي. هذا لمن يعرف قيمتها ويدرك معناها. ولا عجب أن نرى بعضاً من السذج الذين تمنعهم قلوبهم القاسية عن التعاطف مع بيروت التي كانت تسمى فيما مضى “باريس العرب”. هذا لأنهم لم يروا بحرها ولم يصعدوا جبالها ولم يسيروا في أسواقها ولم يتنفسوا هواءها ولم ينهلوا من علمها ومن أدبها! بيروت مدينة الفكر والثقافة والأدب والحريات، بيروت مدينة الرومنسية والكلاسيكية، مدينة تعانق البحر بجبالها وكأنه طفلها التي ترويه من أنهارها العذبة.
إن الشعب اللبناني على وجه الخصوص يحترق من النار المشتعلة خلف حدوده من جهة، ومن فساد ينخر في داخله من جهة أخرى، كما أن حكومته الهشة مشتتة بين مصالح شخصية وأجنداتٍ خارجية منعت أصحاب القرار من النظر إلى شعبهم وإلى بلدهم.
لقد تلقت الشعوب العربية صدمات متتالية من تهجير وقتل ودمار في بلادها العربية خلفت الكثير ممن تركوا بلادهم وممتلكاتهم بسبب تلك الحروب، ونكاد نقول إن الشعوب العربية لا يمكن لها أن تتحمل المزيد من هذه النكبات وهذه المصائب.
إن تعاطف الشعوب مع الحدث يشبه تماماً من يستيقظ من نومه على صوت بيتٍ أو نارٍ تشبُ في أرجاء بيته. فكيف لا نتعاطف مع مدينة السلام والأمان التي أصبحت على هواء بحرها العليل وأمست على صوت انفجارٍ ودمار وأشلاء لم تميز بين البشر ولا الحجر أو الصغير والكبير. حتى تلك العروس التي تستعد لتصوير حياتها الجديدة وجدت نفسها في هلعٍ يأتي من كل مكان. الأبُ الذي أمسك بابنه لا يعرف أين يختبئ، وتلك الخادمة على الشرفة لم تلحق أن تمسك الطفل الذي يلهو إلا بعد أن هبت رياح تلك القنبلة التي غيرت ملامح بيروت.
إن حجم التعاطف العربي والعالمي هو انعكاسٌ لإنسانيتنا أولاً ثمَّ للشعب اللبناني الذي يعاني كما تعاني بعض البلاد العربية الأخرى من الفساد والاستبداد وغياب العدالة والحريات. كيف لا يشعرون والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول: “مثل المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. وما حل ببيروت هي كارثة إنسانية بكل ما للكلمة من معنى. والأصل أن الإنسان الذي يعاني هو أدرى وأعلم بمعاناة الآخرين من غيره، فكما أن العالم كله كان متعاطفاً مع هذه الفاجعة في بيروت إلا أن الشعوب المقهورة أبدت تعاطفاً ينمُ على حالٍ واحدة ومعاناة واحدة. حجم التعاطف من فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن كما كل الشعوب العربية كان له همٌ واحد وشعورٌ واحد يقول: “نريد أن نعيش حياة كريمة بعيداً القتل والفساد والاستبداد”
لقد تعاطفت الشعوب العربية والعالم الحر مع شعوبنا العربية المقهورة في كل مكان، والجميع يريدون السلام ويطلبون أن نعيش بأمان في بلدٍ يقدر الحياة. فلنتعاطف مع بعضنا ولنحب بعضنا ونفتح قلوبنا لعلنا ننام ونستيقظ في عالم يسوده التسامح والوئام.





