ذ. عبدالبصير جمال أحمد عيد
انتهى العام الدراسي (2019-2020) بتجربة فريدة وهي “التعلم عن بُعد” بسبب هذا الفايروس، ولكن هل سيكون التعليم ما بعد كورونا كما هو قبله؟ إن التحول الذي يتعرض له التعليم أصبح واضحاً ونحن على مشارف عام جديد 2021، كان هناك الكثير من التنبؤات السابقة حول التعليم الشخصي وهيمنة التعليم الإلكتروني على العملية التعليمة، لكن لم يكن أحد يعلم سرعة تطبيقه وكيفيته ومدى نجاحه على أرض الواقع.
لقد نبه بعض الخبراء أن ما نشهده من أزمة اقتصادية ستظهر آثارها الحقيقية في عام 2021 وهذا أصبح واقعاً من خلال تغيير الكثير من الشركات سياساتها، وتجلّى في التأثر الواضح للكثير من المهن بين اندثار بعضها وصعود بعضها الآخر. وكذلك الأمر نلحظه في النظام التعليمي العالمي.
إن الموضوع لا يتعلقٌ بالتعلم عن بُعدٍ فقط، بل أيضاً يتعدى ذلك إلى أنماط التعليم وأساليبه المتَّبعة من قبل المؤسسات التعليمية. ومن هذه الأساليب التي بلا شك سيطالها التغيير وستتأثر بشكل ملحوظ هو التعلم من خلال المجموعات أو التعلم التعاوني وتعلم الأقران، كل هذه الاستراتيجيات التي كان يعتبر تطبيقها فخراً للمدرسة وشعاراً من شعاراتها وكانت تطبق بشكلٍ مكثف فيما مضى سوف تتلاشى وسترجح كفّة التعلم الإلكتروني والتعلم الفردي والتوجه نحو تفريد التعليم. وهنا تبرز الحاجة إلى تطبيق استراتيجيات تعليم أخرى بشكلٍ مكثف أكثر، مثل التعلم المتمايز والتعلم الشخصي والتركيز على أنماط تعلم التلاميذ و التعلم القائم على المشاريع وحل المشكلات والاستقصاء ، مسلطة الضوء على التلميذ نفسه لتصبح أكثر شخصية، لذلك سنشاهد الخطط التي ترصد التحصيل والتقدم لكل تلميذ من بداية التعلم وحتى نهايته. فسيظهر أمامنا الملف الخاص بإنجازات التلميذ لكل مادة وما ينجزه خلال تعلمه بناء على قدراته الشخصية واهتماماته واحتياجاته.
إن الفكرة السابقة المرسومة حول التعلم التعاوني والعمل من خلال المجموعات هي أن يجلس التلاميذ وجهً لوجه مع زملائهم في نفس الفصل ويقومون بالتحاور وتبادل الخبرات فيما بينهم. لكن في التعلم الإلكتروني أو التعلم عن بُعد فنحن نشهد تحول في هذه الإستراتيجية، بحيث يتحول التواصل ليصبح عبر الإنترنت ومن خلال الأجهزة ويكون مقيد بمجموعات صغيرة ومبنى على توزيع المهام فيما بين التلاميذ، ومحكومة إلى التعلم المتزامن التي توفره بعض البرامج، مثل؛ “زوم” و “مايكروسوفت تيمز” و “سكولوجي” وغيرها.
يُمكن لبعض البرامج أن تخدم التعلم التعاوني عن بُعد مثل؛ “Linoit” و “Padlet” و “Popplet”، وأيضاً يُمكن للطلبة أن يتشاركوا الملفات مستخدمين حساباتهم في “جوجل درايف” والعمل بشكل تعاوني لإنجاز مهمة تعليمية. وهناك برامج أخرى يطغى عليها العمل التنافسي والتعلم من خلال اللعب الذي يتشارك فيه جميع الطلبة عملية التعلم، مثل؛ “كويزيز” و”كاهوت” وأيضاً “ورد وال”.
كما أن الدروس المصغرة التي يعدها المعلمون والفيديوهات التعليمة وبعض المنصات مثل؛ “منصة ألف” و”مدرسة” وغيرها سيكون لها دور كبير في إثراء المناهج وخدمة كل من المعلمين والتلاميذ على حدٍ سواء. فالأنشطة والتمارين ستكون كلها في الغالب عبر الإنترنت باستخدام الأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر، وحتى الامتحانات أصبحت تدار عبر الإنترنت من خلال بعض المواقع التي أثبتت كفائتها في هذا الجانب، مثل؛ “مايكروسوفت فورم”.
كما أن التغيير لن يكون فقط في السلوكيات التربوية بل هو أيضاً في الهيكل التعليمي الذي تقوم عليه المدارس. فمثلاً؛ تقليص عدد التلاميذِ في الفصول وعدم صلاحية المساحات الصغيرة، فمسافة الأمان الآن مطلوبة بين التلاميذ كإجراء احترازي للتخفيف من العدوى التي قد يتسبب بها الفايروس.
ستواجه بعض المدارس تحدياً في استغلال كل المساحات الممكنة في المدرسة بما يتناسب مع عدد الطلاب. لذلك عمدت الكثير من المدارس إلى وضع خطط مرنة وسريعة من خلال وضع برامج مختلفة لتلبي الحاجة الراهنة، فمثلاً؛ تطبيق التعلم عن بُعد والتعلم المباشر في آن واحد. وبذلك يتحقق التوازن بما يناسب الطلبة وأولياء الأمور والمدارس.
إن الدور الذي يلعبه أولياء أمور التلاميذ في فترة التعلم عن بُعد كبير ولا يمكن نكرانه، فهنا يظهر الدور الذي يقومون به لتحمل مسؤولياتهم بشكلٍ جدي وحازم في متابعة أبنائهم وتوعيتهم نحو مسؤولياتهم في التعلم. لا ننكر أن الكثير من أولياء الأمور يرفضون أن يتعلم أبناؤهم في المنزل وذلك بسبب مسؤولياتهم المتعددة، وهذا يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار. فالتعلم عن بُعد كان بديلاً لوضع استثنائي ولا يمكن أن يكون إلا داعماً للعملية التعليمية وليس بديلاً لها.
مازال البعض يظن بأن “الكورونا” هي مؤامرة وأن كل شيء سيرجع إلى ما كان عليه عندما يحصل الناس على “المطعوم” لكن هناك حقيقة يجب أن ندركها، أن هناك سياسات تطبق بشكل عملي ومدروس نحو نظامٍ جديد في كل المجالات. العالم الذي سنشهده هو عالم أكثر تطوراً وأكثر ذكاءاً وأكثر مسؤولية.





