“ظلمات” مالي و “أنوار” فرنسا

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

الشيخ محمد الفزازي (*)

دعوني في البداية أعلن عن رفضي التّام لأي عملية اختطاف لأي إنسان بريء كيفما كان دينه، وكيفما كانت جنسيته؟ هذا مبدئي، وبهذا أَدين الله.
وليس هذا هو الموضوع.

الموضوع: خيبة ماكرون المدوّية وكشف الوجه القبيح للعلمانية.

فلقد ترجم الرئيس الفرنسي إمنويل ماكرون كلَّ هذا بوضوح تامّ أثناء استقباله لآخر رهينة فرنسية… وترجمت ذلك بالصوت والصورة منابر إعلامية كثيرة.
الرهينة (صوفي بيتروني 75 سنة) طبيبة فرنسية اختطِفت في مالي من قِبل جماعة إسلامية مسلحة. وظلت محتجزة لدى خاطفيها حوالي أربع سنوات قبل إطلاق سراحها وفق صفقة يقال إنها بلغت عشرة ملايين دولار فدية، ومائَتَيْ عنصرٍ أسيرٍ أُطلق سراحهم في المقابل.
ماكرون كان مزهوّا جدّا بهذا الإنجاز “التاريخي”، وقد ذهب شخصياً محفوفاً بحاشيته لاستقبال الرهينة الكبيرة في المطار. ذهب ليتباهى بأن فرنسا لا تفرّط في أبنائها. وليتهجّم على الإسلام والمسلمين كعادته مستثمراً ورقة الإرهاب “الإسلامي” وجعل تحرير هذه السيدة مادّة دسمة كدليل ماديّ على عُنف “الإسلاميين” وضرورة نبذهم وإقصائهم.
لكن السحر انقلب على الساحر.

عند وصول السيدة “صوفي” إلى المطار بحجابها أعلنت أن اسمها ليس “صوفي” بل مريم وأن دينها لم يعد هو النصرانية بل الإسلام. ويالخبة ماكرون ومن معه !!. ماكرون الذي قال قبل أيام بأن الإسلام يعيش الأزمة في كل مكان، فشاء الله تعالى أن يظهر العكس للناس؛ وأن الأزمة الحقيقية إنما هي في ساحتهم.
الخيبة والغضب في تصرّف ماكرون تجلّيا في إلغاء ندوة صحفية كانت مقررة لممارسة الزَّهو المبرمج سلفاً، وفي مغادرته المفاجئة للمكان عبوساً مكفهِرَّ الوجه.
مريم لم تعطِ أي قيمة للاستقبال الرئاسي وإنما اهتمت فقط بأقاربها الذين حضروا لاستقبالها.
وهنا أتساءل عن حقيقة العلمانية التي يتشدق بها الفرنسيون. أليست هذه العلمانية قائمة على احترام الأديان وحرية المعتقد كما يزعمون؟

أين هذا الاحترام في غضبة ماكرون المفضوحة؟ وأين هي في انسحابه المفاجئ؟
ثم لماذا لم تدرك المخابرات الفرنسية حقيقة إسلام “صوفي” وتخبر الرئاسة لتجنّبها هذا الحرج؟
بل لماذا لم تستطع فرنسا “العظمى” تحرير هذه الرهينة من الخاطفين “البدائيين البسطاء” بما لديها من كتائب(كوماندوس) ساحقة وأجهزة استخباراتية خارقة طيلة أربع سنوات…؟؟
والأدهى والأمرّ أن مريم عازمة على العودة إلى مالي.

فكيف ياترى كانت معاملة هؤلاء الخاطفين لهذه الرهينة حتى تقرر هذه الأخيرة الدخول في دين خاطفيها؟ بل وتقرر العودة إليهم بعد تحريرها ووصولها إلى مدينة “الأنوار” ؟
لماذا فضلت مريم “ظلمات” مالي على “أنوار” فرنسا؟

رئيس الجمعية المغربية للسلام والبلاغ (*)

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...