حَمَلَةُ النُّورِ وَالحَيَاةْ…!

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

 

عمر بن أحمد القزابري (*)

 

بسم الله الرحمن الرحيم..والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..أحبابي الكرام:

هل جرَّبْتَ مرَّة أن تزرع بسمةَ سرورٍ على شِفاهِ مَكْلومْ؟ أو أن تزرع بذرة أملٍ في قلبِ قانِط؟ أو أن تغرِس وردة حبورٍ في حديقة بائسٍ محزُونْ؟!… جَرِّب ذلك..وسوف تنتعشُ نفسك بما سَيَرِدُ عليها من أنفاسِ الأنْس..ونسماتِ القُدس..جرِّب..وسيصبحُ لديكَ عقلٌ جديد….يلوحُ في خاطري قول الحُطَيْئَة:

مَن يفعلِ الخير لا يعدم جوازيَه/ / لا يذهبُ العُرفُ بين الله والناسِ..

إن الخير يبقى..أما الشر فالاضمحلال مصيرُه..وإذا كان اصطناع المعروف مِن أعظم مايتزوَّد به المرء..فإن الشر أخبثُ زاد يتزود مِنه الانسان..كما قال عبيد بن الأبرص:

الخيرُ يبقى وإنْ طال الزمان به / / والشر أخبثُ ما أوعيتَ من زادِ…

فافعل الخيرَ للخيرِ ملتحفا رداءَ الاخلاص..ولا تلتفِت إلى ما أحدث الناس قِبَلك..فإن النَّاس شأنهم النُّكران..والله شأنه الغُفران..ولنْ يضيعَ معروفُك ولو صنعته إلى جمادْ..وجميلٌ ماذكِر في كتاب( جمهرة الأمثال ) لأبي هلال العسكري: ماضاع معروفٌ وإن أوليتَه حَجرا..وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ كان يمشي بطريق فاشتد به العطش..فوجد بئرا فنزل فيها..وعندما خرجَ وجد كلبا يلهث يأكل الثرى من العطش..فنزل هذا الرجل البئر وملأ خُفَّه..ثم أمسكه بِفِيه حتى ارتقى فسقى الكلب..فشكر الله له..فغفر له..

يالله..تأمَّلوا في جملة…فشكر الله له..ما أعظمك ربَّنا وما أرحمَك..لولا رحمتك وَجُودك ليبِس هذا الوجود من حولِنا..ولتحجَّرت القلوب…ولولا رحمتك وجودك لتَمنْدَل بنا البعض..ولكنك أنت الله..قِبلةُ قلوبنا. ووجهة أفئدتنا..( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الانفاق ) ما أغرب هذا الانسان..يُمسك يده عنِ الإحسان..وإذا أُحْسِنَ إليه تحرَّك منه لسان النُّكران..وصدق الله( إن الانسان لكفور مبين ) إلا من رحِم الله وسلَّم..ليس البِرُّ أيها الاحباب مجردَ صلاة أو حج أو صوم أو مظاهر التزام…وإنما هو صورُ انعكاسِ آثارِ تلك العبادات على القلب..وعلى الجوارح..فتتحركُ الرغبة في إسداءِ الخير..ويصدِّقها العمل…بحسب الوُسْعِ والمستطاع..اخرج من كهفكَ أخي..ومن نظرتك القاصرة للتدين..اخرج إلى عوالمِ السعة والانشراح..اقتفِ آثار الضُّعفاء والمحاويج..انطلق في أرض الله وعيناكَ تترقب فرصةً ربما تكون سبب عِتقِكْ .وفِكَاكِك مِن رِقِّكْ.. ..كفى من أنا..! فما أهلكتنا إلا الأنَا المتوحشة..انظر إلى الأيتام والأرامل والضعفاء ووو..فليس ديننا رهبانيةً جامدة..ولا تراتيلَ مقطوعة عن سرِّها ومعناها…ولا بكاء على الأطلال ..إنما الدين حياة ..وإحساسٌ بالآخر..وتفاعلٌ مع القضايا..ومساهمةٌ في الإسعاد..ومشاركةٌ في الإِمداد والأَمدادْ..ورحمة بالعباد…لا تنتظر من الناس أن يشكروك….فلن يفعلوا…وماهم بخارجين من الجحود والنكران..ولكن كُن كما أخبر ربنا عن الكبار..أصحاب الفهم السليم..والعزم القويم..( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) وإليكم هذا الحديث العظيم الذي يصلح لأن يُتَّخذ مِنهاج حياة..ولو وعاه كل واحد منَّا وخصوصا أصحاب المسؤوليات…لصلُح حالنا..ولاستتب لنا الأمر. واستقام العود..

قيل يارسول الله..من أحب الناس إلى الله؟ قال: أنفعهم للناس..وإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلم..تكشف عنه كربا..أو تقضي عنه دينا..أو تطردَ عنه جُوعا.. . ولأن أمشيَ مع أخي المسلم في حاجةٍ أحب إلي مِن أن أعتكف شهرين في مسجدي هذا..ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته. ومن كظم غيظه ولو شاء أن يُمضيه أمضاه..ملأ الله قلبه رِضى ..ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجةٍ حتى يُثبتها له..ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام..وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل )

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.

إمام مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء (*)

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...