وزيرات في السجون الجزائرية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*ناصر جابي

 

يعود تعيين أول وزيرة جزائرية إلى سنة 1982، منذ ذلك الوقت عينت الجزائر ما يقارب الثلاثين وزيرة، ضمن تشكيلاتها الحكومية المختلفة، يوجد من بينهن أربع وزيرات في السجن في الوقت الحالي، بتهم فساد مختلفة، من بينها الرشوة، سوء استعمال الوظيفة، ومنح امتيازات غير مستحقة للغير، بعقوبة قد تصل إلى عشر سنوات، وتتجاوزها في حالة إثبات هذه التهم الخطيرة، التي ما زالت تحاكم بسببها، وزيرات تم تعيين أغلبيتهن خلال فترة حكم بوتفليقة ـ بحضور وصل إلى سبع وزيرات في حكومة 2014 – الذي استعمل وجود المرأة، لكسب نوع من التأييد الخارجي لحكمه، كظاهرة عصرية، قام بتسويقها، حتى وهو يستعمل حضورها داخل حكوماته لإضفاء نوع من التوازن الجهوي – التقليدي، عندما يختل لصالح جهة ما، يكون المطلوب فيها من المرأة تمثيل أقليتين، أبناء جهتها وبنات جنسها، تماما كما تفعل بعض أنظمة المشرق مع المسيحيات، ونساء الأقليات الأخرى.

وزيرات يتميزن بعدة خصائص على المستوى السوسيولوجي، الجماعي والفردي، هي التي تفسر ولو جزئيا وجودهن في هذا المنصب السياسي، في قطاعات عادة ما تكون ثانوية، يغلب عليها الطابع الخدماتي والاجتماعي، فقد كان المفروض على المرأة الوزيرة، أن تكون مؤهلة بشكل كبير، حتى تنظم للحكومة، عكس زميلها الرجل، الذي لا يطلب منه مستوى التأهيل العالي نفسه، زيادة على التأهيل، يمكن أن نظيف الأصل الاجتماعي المتميز، الذي تختص به الوزيرة، كما بيّن ذلك السوسيولوجي الفرنسي بيار بورديو، الذي توصل إلى هذه القناعة بأن، انضمام المرأة للحكومة في الغرب، غالبا ما يزيد من الطابع البورجوازي للحكم، حالة تنطبق على الجزائر، التي تنتقي وزيراتها من وسط متعلم ومتميز اجتماعيا من مختلفات جهات الجزائر، زيادة بالطبع على القرب السابق أو اللاحق مع عصب النظام السياسية والعسكرية.

على غرار وزيرة الثقافة خليدة تومي، التي كانت أول وزيرة سجينة – أستاذة رياضيات ـ هي التي انشقت عن حزبها، التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، لكي تتقرب من بوتفليقة، الذي عينها في قطاع حساس جدا بمقاييس التسيير السياسي الجزائري لمدة طويلة 2002-2014 على رأس وزارة الثقافة التي كانت من نصيب الوزراء المحسوبين على التيار المعرب المحافظ في الغالب، في إطار التقسيم القطاعي للدولة، هي المفرنسة التي لم تكن تحسن إلا القليل من العربية، التي عادة ما لا تتعامل بها يوميا، كأغلبية أبناء جيلها من مواليد 1958، فقد عانت خليدة الكثير من الرفض، وهي تحتل منصبها على رأس هذه الوزارة الأيديولوجية، من منافسيها الأيديولوجيين التقليديين، ومن عائلتها السياسية التي انشقت عنها، لولا التأييد الشخصي الممنوح لها من قبل بوتفليقة.

هدى فرعون وزيرة الاتصالات وتكنولوجيا الإعلام، السجينة الثانية – أستاذة جامعية وباحثة في الفيزياء ـ يمكن القول عنها الشيء نفسه تقريبا، هي التي قربتها شائعات إعلامية، غير مؤكدة، من عائلة بوتفليقة، عن طريق الأخ الأصغر، الأرمل، الذي يكون قد حماها لغاية سقوط بوتفليقة 2002 -2015، وزيرة قدمت للمواطن الجزائري كباحثة متميزة بمسار علمي ومهني ساطع، رغم صغر سنها -من مواليد 1979. الوزيرة السجينة الثالثة التحقت بالحكومة في وقت الاضطراب السياسي، الذي عادة ما يكون مواتيا للقيام باختراقات سياسية لبعض الوجوه غير المعروفة من الجنسين، يمكن أن يوصلهم لأعلى المناصب، كما حصل مع جميلة تمزيرت، وهي تحتل وزارة الصناعة كأول امرأة في تاريخ الحكومات الجزائرية، لم يطل بها المقام في هذا الظرف السياسي المضطرب لأقل من سنة -إبريل/نيسان 2019- يناير/كانون الثاني 2020، في حكومة بدوي التي كان ممنوع على وزرائها الخروج من مكاتبهم، خوفا من الغضب الشعبي. رابع وزيرة في هذه القائمة، التي يمكن أن تطول، إذا استمرت حملة محاربة الفساد، هي أمينة زرهوني – خريجة المدرسة الوطنية للإدارة ـ والوالية السابقة ووزيرة السياحة، ابنة العائلة الندرومية المعروفة، التي التحق الكثير من أبنائها بالحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، كالعم نورد الدين والأخ الأصغر بن عمر، والكثير من أبناء مدينة ندرومة مسقط رأس بوتفليقة، التي كونت مشتلة حقيقية للحكم في الجزائر، حتى قبل وصول بوتفليقة للحكم. رغم هذا القرب من رجال الحكم والتأهيل العلمي العالي، والانتماء لأوساط عائلية متنفذة والوصول إلى مناصب عليا في الإدارة، قبل الحكومة، إلا أن الوزيرة الجزائرية لم يتم تبنيها تماما من قبل المواطن الجزائري، الذي حارب بأشكال متعددة وصولها إلى هذا المنصب العام، الذي يخرجها إلى السطح والفضاء العام، هي الأنثى التي كان مطلوبا منها أن تتوارى عن الأنظار حتى بعد مسارها التعليمي الناجح، حرب على المرأة الوزيرة زادت مع انتشار الوسائط الاجتماعية التي تحولت إلى فضاء للتحرش بها، والنيل من سمعتها وسمعه عائلتها. الوزيرة التي فشلت في الغالب في تكوين أسرة نتيجة العزوبية المفروضة عليها، أو نتيجة الطلاق، ما يعني أننا أمام تحرش بعمق أنثروبولوجي سميك، يعبر عن نفسه في هذه العقوبة، التي تتعرض لها نظير نجاحها العلمي والمهني، من قبل مجتمع ذكوري، مذعور وهو يشاهد كيف تتحول فيه النساء مع الوقت إلى نخبة فعلية، علمية وحتى سياسية حاضرة، بعد استفادتها القصوى من التعليم، والدعم الذي وجدته داخل عائلتها ووسطها الاجتماعي المباشر، عكس بعض القوى الاجتماعية المحافظة، التي أرعبتها هذه النجاحات العلمية والمهنية للمرأة، فعاقبتها بالتطليق وفرض العزوبية عليها، والترويج لحملات فيسبوكية عليها بشكل يكاد يكون يوميا.

بالطبع سيكون من السذاجة البقاء عند هذا المستوى من التحليل، رغم ما يوفره من معطيات وفهم، من دون التطرق إلى موضوع محاربة الفساد، وما ميز الوضع السياسي بعد الحراك الشعبي، لربطه بخصائص النظام السياسي الجزائري، للقول باختصار إن النظام هو اللي فاسد بالدرجة الأولى، قبل الفرد، تعلق الأمر بالرجل أو المرأة، من دون نفي لمسؤوليات الأفراد، بمن فيهم النساء غير المنزهات عن الخطأ بالطبع. نظام استشرى فيه الفساد، وزاد منسوبه خلال فترة البحبوحة المالية أثناء سنوات حكم بوتفليقة، منح أثناءها نوعا من الحصانة القانونية والسياسية لكل محيطه، جعلهم – بمن فيهم الوزيرات ـ يشعرون بقدر كبير من الحماية وبأنهم فوق المساءلة القانونية، كما أظهرته المحاكمات الأخيرة لبعض رؤوس الفساد، الذين فقدوا القدرة على التمييز، وأخذ الاحتياطات البسيطة، التي كانت مطلوبة من أصغر لص في الأوقات العادية.

*كاتب جزائري

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...