الجالية المغربية في المهجر – إكراهات وعوائق العمل الجمعوي.

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

ذ. أحمد براو*

 

 

– إحصائيات حول تواجد المغاربة بأوروبا

أشارت دراسات حسب موسوعة ويكيبيديا إلى أن عدد المغاربة المقيمين في أوروبا تضاعف خلال الثلاثين سنة الماضية، إذ يوجد في القارة الأوروبية وحدها 85 في المائة من مغاربة الخارج. وتعتبر فرنسا في المرتبة الأولى من حيث عدد المغاربة حيث يقيم فيها أكثر من مليون مغربي، يتوفر جزء مهم منهم على الجنسية الفرنسية، وتأتي إسبانيا في المرتبة الثانية إذ يقيم بها أكثر من 700 ألف مغربي (سنة 2019)، يشكلون أول جالية أجنبية من خارج الاتحاد الأوربي، إضافة إلى آلاف المغاربة المنحدرين من شمال المملكة الذين وصلوا إلى إسبانيا بطريقة غير شرعية قبل أن تتم تسوية وضعيتهم في سنوات التسعينات، هذا وتشكّل النساء 35 في المائة من مجموع المهاجرين المغاربة في إسبانيا. فيما تأتي إيطاليا في المرتبة الثالثة إذ يتواجد بها أكثر من 600 ألف مغربي، وبلجيكا في المرتبة الرابعة بحوالي 300 ألف مغربي، وهولندا في المرتبة الخامسة بحوالي 200 ألف مغربي، ثم ألمانيا في المرتبة السادسة بحوالي 100 ألف مغربي.

الهجرة غير النظامية جعلت الكثير من الشباب المغربي وعلى رأسهم النساء المغربيات يقعون ضحايا مافيات المتاجرة بالبشر وعمليات الإستغلال الجنسي، علاوة على عنف وممارسة التمييز والعنصرية من طرف بعض عناصر الشرطة، ضد هذه الفئة لمجرد أن مغاربة، وعدة انتهاكات حقوقية وإنسانية أخرى، خصوصا أن فئة عريضة من المهاجرين المغاربة إلى إيطاليا هم من اليد العاملة المتواضعة في الميدان الفلاحي والصناعي والخدماتي، تعاني من ضعف المستوى التعليمي ولم تهاجر بطريقة نظامية قانونية، وفي ظل غياب أو ضعف أي دور إنساني أو حقوقي أو اجتماعي أو إرشادية سواء من طرف الجمعيات أو السلطات القنصلية المغربية، خصوصا مع موجة الهجرة السرية الجديدة عبر أوروبا الشرقية وتركيا ودول البلقان البوسنة وكرواتيا وألبانيا نحو اليونان والمجر وإيطاليا في ظروف إنسانية جد بائسة.

وكشف استطلاع للرأي أجرته وكالة “إبسوس” للأبحاث، عن أن 64% من المهاجرين الشباب من أصل مغربي ممن يعيشون في الدول الأوروبية الست الرئيسية للهجرة، وهي إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا وألمانيا، واجهوا صعوبات في العثور على وظائف عمل، فيما عانى 57% منهم من مشكلات في العثور على سكن، كما أن 42% منهم واجهتهم مشكلات في ممارسة الشعائر الدينية.
وأعرب 65% من الشباب المغاربة الذين يعيشون في إيطاليا، أنهم واجهوا مشكلة في الحصول على القروض المصرفية، في حين واجه 63% منهم صعوبات في مجال الإسكان، و57% منهم في إيجاد وظائف في سوق العمل.

– أدوار الجالية في مشاريع التنمية بالمغرب

خلال تقديمه للمعطيات الرقمية الخاصة بالجالية المغربية أمام البرلمان أشار رئيس الحكومة أن عدد مغاربة العالم تضاعف خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث ارتفع من 1.7 مليون فرد سنة 1998 إلى حوالي 4,5 مليون حاليا، أي ما يعادل 13 % من ساكنة المغرب، مؤكدا أن الجالية المغربية هي في مجملها جالية شابة، إذ لا يتجاوز عمر حوالي 70 % من أفرادها 45 سنة، من بينهم 20% ولدوا بالخارج، غير أن هذا لا يجب أن ينسينا بلوغ الجيل الأول من المهاجرين سن التقاعد، خاصة في أوربا، حيث يصل عشرات الآلاف منهم كل سنة إلى سن التقاعد.

وعلى المستوى الاقتصادي، أوضح أن الجالية المغربية تساهم مساهمة نوعية في دعم الإقتصاد الوطني، إذا عرف حجم تحويلاتها المالية نموا مضطردا خلال العقدين الأخيرين، حيث انتقلت من 20 مليار درهم سنة 1990 إلى 60 مليار درهم سنة 2020، وهو ما يشكل نسبة 8% من الناتج الداخلي الخام. كما تقدر ودائع الجالية بالبنوك المغربية بحوالي 130 مليار درهم (21% من مجموع الودائع الوطنية البنكية).

وأضاف في ذات الاتجاه أن هذه التحويلات المالية تساهم بتخفيض مؤشر الفقر بـ 3.4 نقطة، أي ما يعادل مليون فقير. كما تساهم في الرفع من نسبة التمدرس والتغطية الصحية خاصة بالعالم القروي، موضحا أن نسبة قليلة من التحويلات المالية تُوَجَّه نحو الاستثمار. وتتركز استثمارات الجالية المغربية بالأساس في قطاع العقار بما يناهز 41% من مجموع التحويلات، في حين لا تتعدى الإستثمارات في المشاريع الاقتصادية المنتجة نسبة 14%. الشيء الذي يلزمنا بتعبئة أكبر وتشجيع خاص لاستثمارات مغاربة العالم في بلدهم الأصل.

– مسؤوليات تأطير الجالية المغربية

من خلال هذه المعطيات والدراسات والإحصائيات يظهر جليا أهمية هذه الفئة من المواطنين المغاربة في المهجر ومدى مساهماتها في المشاريع التنموية، بالمقابل نجد أن هناك ضعف وتعثر الحكومات المغربية المتعاقبة متمثلة سواء في الوزارات المعنية أو البعثات القنصلية أو المنظمات والجمعيات الأهلية التي من الواجب عليها تأطير الجالية تأطيرا علميا وتنظيما مبسطا، كوساطة لحل المشاكل المرتبطة بتواجد المهاجرين لتحقيق المعادلتين المهتمين اللتان تخصان الجالية وهما أولا الإندماج الإيجابي في بلدان الإقامة وتدبير شؤونهم، وثانيا ضرورة الحرص على تقوية الإرتباط بالوطن الأم، خاصة بالنسبة للأجيال التي ولدت في بلدان المهجر، لأن من شأن ذلك المساهمة في الإستثمار والتنمية والتعلق بالثوابت الوطنية المغربية.

وذلك من خلال برامج تثقيفية مثلا بالنسبة للمهاجرين المغاربة المقيمين بإيطاليا، أهمها التعرف على الدستور الإيطالي وبنوده المنظمة للحياة الإيطالية وموقع المهاجرين من هذا الدستور، وأهمية الإنفتاح على الآخر، والتكوين، والتعليم، واستقطاب أبناء المهاجرين من أجل انخراطهم في الأعمال الثقافية والفنية والرياضية، من أجل أن يكونوا منشغلين بأنفسهم واحترام الآخر مع الإرتقاء بتربيتهم وتميزهم في هذا الجانب، حيث يجب فتح ورشات في الأعمال الثقافية والإجتماعية والرياضة بعيدا عن الضياع وعن أي سلوك يسيء لأبناء الجالية.

وهناك مثلا ودائما في إيطاليا أخذ هذه المهمة من يد الجمعيات العديد من الشباب والنساء المغاربة وذلك بفتح قنوات اتصال عبر وسائل التواصل الإجتماعي فيما لوحظ غياب الجمعيات بحيث يعرضون فيها مواضيع وأخبار مهمة تخص الجالية كأخبار الإعانات والمساعدات المادية الحكومية للأسر والعمال المهاجرين وكذلك الشرح المبسط لمراسيم وقوانين تخص هذه الفئة بالنسبة للإقامة والجنسية وغيرها، وعلى سبيل المثال لا الحصر لوحظ مغادرة نسبة كبيرة من العمال المغاربة وعدتهم الطوعية للمغرب بدون الحصول على تعويضات سنوات عملهم بحسب رئيس المعهد الوطني للضمان الإجتماعي INPS في حين أن هناك قانون الأجانب بإيطاليا يعطي الحق لجميع المهاجرين حتى الذين لاترتبط بلدانهم باتفاقيات مع إيطاليا في مجال الضمان الإجتماعي حتى يستفيدوا من نظام التقاعد حتى في حالة مغادرتهم نهائيا الأراضي الإيطالية، فما بالك بالمغرب الذي وقع على هكذا اتفاقية،

– إرهاصات، إكراهات وعوائق العمل الجمعوي

مشكلات الجالية المغربية المهاجرة متشعبة ومتداخلة فيها العديد من العوامل والجهات فيما كل جهة ترمي الإتهامات جزافا على غيرها وتتنصل من المسؤولية ابتداءا بالحكومة المغربية الغائبة والمغيبة ثم البعثات القنصلية ثم الجمعيات المؤطرة للجالية، هذه الأخيرة حسب نظري هي التي تتحمل العبء الأكبر من هذه المسؤولية لأنها الحلقة الأقوى بحكم الموقع القريب من معاناة هذه الجالية والمطلعة على كل المشاكل والعقبات والآمال التي تخصها، فيما تبقى هذه الجمعيات ضعيفة التنظيم من جميع النواحي بل وحتى في مدى استجابتها للقوانين المنظمة والتقارير المادية والأدبية، والتخبط في التسيير والقيادة والتعبئة لأفراد الجالية بحيث تطرح علامات استفهام في مدى تمثيليتها، وتتذرع بإلقاء اللوم سواء على المؤسسات المحلية أوالقنصلية أو على مدى استجابة الجالية نفسها لنداء الإنخراط في المسار الجمعوي التنظيمي، وهنا يُفتح القوس عن ماهية الأسباب لإعراض الجالية المغربية لكل هذه النداءات المتكررة للمشاركة والتشجيع على التعبئة ونشر ثقافة الحوار وإبداء الآراء والمساهمة في إنجاح عمل هذه الجمعيات عوض تجاهلها و كيل الإتهامات لأعضائها.

وفي محاولة إشراك الجالية في العمل المجتمعي على الجمعيات التعرف على العوائق التي تمنع هؤلاء من المشاركة ومن بين هذه العوائق:

1-الأفكار المسبقة “pregiudizi” بالإيطالية وهي النظرة السلبية السائدة غالبا تجاه الجمعيات.
2- ضعف التواصل، حيث بكل بساطة الناس لا يعرفون المجالات المتاحة لانخراطهم
3- الخبرة المحدودة وعدم الثقة وذلك لمجرد أنهم لم يختبروا من قبل العمل الجمعوي ولا يعرفون ماهو المطلوب منهم.
4- تاريخ التجاهل وذلك أنهم يشعرون بأن المسؤولين عن هذه الجمعيات تجاهلوهم لمُدَد طويلة.
5- الشعور بالعجز، فمن الصعب معرفة من أين يبدأ العمل وكيف له أن يكون مؤثرا.
6- إعادة تكرار نفس الوجوه التي تتصدر المشهد الجمعوي بحيث تفتقد لتجديد الدماء وتغيير الوجوه المعروفة والإعتماد على الشباب.
7- وممكن أن نضيف لها عوائق أخرى لوجستي كقلة الوقت وغياب وسائل التنقل وقلة الإمكانيات والإنشغال برعاية الأطفال.

وأخيرا وهو الأهم تاريخ الإجتماعات واللقاءات والمناسبات بدون فائدة وليست منتجة، فإذا كانوا لا يعرفون لماذا تُعقد هذه الإجتماعات والفعاليات وماذا سيجنون من وراءها فكيف لهم أن يواصلوا حضورهم ومشاركاتهم.
أظهر استطلاع (غالوب) أن السبب الرئيسي الذي منع معظم الناس للقيام بالعمل الجمعوي التطوعي هو أن أحدا لم يطلب منهم ذلك، ولذلك فإن دعوة الناس فرديا تعجلهم يشعرون بالإهتمام وأنهم ليسوا مجرد أرقام أو مجرد جزء من مناشدة جماعية، فعندما يتفاعل الناس على المستوى الشخصي بشكل خاص بين المعارف والأصدقاء والجيران فإن الإنخراط يصبح أكثر قربا للتحقيق. فيمكن للمسؤول الجمعوي أن يقوم بذلك شخصيا أو يطلب مباشرة من الأشخاص الذين يعرفونهم والذين لهم مناصب تسمح لهم بالتأثير مثل المدرسين مع طلابهم وأرباب العمل مع عمالهم والأصدقاء مع أصدقائهم وهكذا دواليك علما بأن حتى الإتصالات الهاتفية والرسائل الشخصية أصبحت الآن أكثر فعالية.

*فاعل جمعوي مهتم بقضايا الدين والثقافة والمجتمع وباحث في علوم التربية بجامعة كالابريا.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...