المغرب يحقق سبقاً في إنتاج الكمامات الواقية بوفرة وبأثمان زهيدة وتمكن من كسب رهان تعميمها على المواطنين

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

عبد العزيز بنعبو

رغم ما قيل عن سلبيات جائحة فيروس “كورونا” المستجد، التي قلبت موازين العالم وأربكت كل حساباته وجعلته يخطو بحذر في جميع مناحي الحياة اليومية، حيث لا يتم التخطيط إلا للخروج من التداعيات والأزمة؛ فقد برزت بعض الإيجابيات إن صح التعبير، وعلى رأسها اللحمة الإنسانية التي وحدها كفيلة بتجاوز هذه المحنة الصحية التي أرخت بظلالها على الاقتصاد والثقافة والمجتمع وكل شيء تدور في فلكه يوميات البشرية.
نقطة أخرى تسجل للسيد كورونا، كونه أظهر لنا مدى قيمة الترابط والحميمية التي كانت تجمعنا قبل أن يهب بعاصفته المدمرة ويشتت شمل العائلات بتباعد فرضته تدابير الحد من تفشي “الفيروس”.
لكن تظل النقطة البارزة جداً التي كشفت عنها ظروف الجائحة وحتمية الوقاية من العدوى، هي نسبة الوعي التي تترجمها مسألة ارتداء الكمامة الواقية مثلاً، فقد صارت مثل رسالة مرموزة بين المواطنين، تفيد بما معناه الوعي الكامل بقيمة الصحة الجماعية.

صارت الكمامات في المغرب بعد أن كسبت المملكة رهان إنتاجها بوفرة وبأثمنة زهيدة، بل وترويجها وتوزيعها على عدة دول في أوروبا، عنواناً جديداً للمغاربة على اليقظة الكاملة والحرص على الصحة العامة.
المعادلة أصبحت بسيطة، أنت ترتدي الكمامة يعني أنك مواطن غيور على الوطن، وتخشى على العباد من إصابتهم بالعدوى وانتقال الفيروس إليهم.
لكن في المقابل، ظهرت بعض السلوكات الجانبية لمغاربة اختاروا أن يجعلوا من الكمامة الواقية رمزاً للموضة والتميز عن البقية، كل حسب انتمائه الاجتماعي وفئته العمرية، لتتحول هذه الوسيلة الوقائية إلى عنوان يفضي رأساً إلى الوضعية الاجتماعية لمرتديها.

الشباب اختاروا الكمامات بأشكال وأنواع وألوان مختلفة تحيل على طبيعة نبضهم الرياضي أو حتى الثقافي، فمناصر فريق “الرجاء البيضاوي” مثلاً جعل كمامته خضراء، ومناصر “الوداد” أيضاً جعلها حمراء، إضافة إلى باقي الفرق الكروية المغربية، بل حتى الأندية العالمية الكبيرة صار لها مكان على وجه الشباب العاشق للساحرة المستديرة.
الفتيات من جهتهن حولن الكمامة إلى حلبة مصارعة للموضة حسب آخر الصيحات، طبعاً الأمر يقتصر على فئة قليلة، بالنظر إلى أن جميع المغاربة أقبلوا على الكمامة محلية الصنع والتي لها دلالاتها الوطنية الكبيرة.

في كل مرة تلتقي مجموعة من الناس، تجد رجلاً أو امرأة قد شذّ عن القاعدة العامة، وارتدى كمامة مخالفة بها ما يميزه حسب ظنه أو ظنها عن الجميع، لكن المهمة واحدة والهدف هو الوقاية من الفيروس.
توقفنا عند اجتماع مهني جمع أشخاصاً من المكتب نفسه، جلهم تتقدم محياهم كمامات زرقاء أو بيضاء تقي دون بهرجة، سيدة واحدة فقط ارتدت كمامة باهظة الثمن، لم نسأل عن السبب، فالسيارة التي ركبتها كانت خير جواب، لكننا سألنا أحد زملائها، فقال إن وظيفة الكمامة هي الوقاية وليس التفاخر.
فتاة أخرى في مقتبل العمر، كانت ترتدي شكلاً مغايراً، يتماشى مع مظهرها العام خاصة على مستوى اللباس، وتلك كانت من وحي الموضة لا أقل ولا أكثر.
وعندما سألت نهى عن سبب هذا الاختلاف، أجابت بكل بساطة أنها تريد أن تكون الكمامة محببة أكثر وجميلة وتفي بالغرض وهو الوقاية.
واستطردت في تصريحها، بالقول إنها تلتزم بالتدابير الاحترازية ومنها الكمامة الواقية، ولكي تكون راغبة فيها أكثر كان عليها أن ترتدي ما يريح نفسها على مستوى المظهر.

ويشار إلى أن العديد من صيحات الموضة كانت قد غزت مواقع التواصل الاجتماعي، لمشاهير قرروا أن يبادروا إلى ابتكار العديد من التصاميم لكمامة يرحب بها الشباب خاصة والمشاهير أيضاً.
لكن الغالب الأعم في شوارع مدن المملكة المغربية، تجد المغاربة وقد وحدتهم الكمامة محلية الصنع، ذلك اللون الأزرق الخفيف أو الأبيض الناصع يعتلي منصة الوجوه ويريح الخاطر قليلاً من مخاوف الإصابة بالعدوى، كما يريح الجيب كثيراً بثمن لا يصل حتى إلى درهم واحد لكل قناع واقٍ.
من جهتهم، الشباب تنافسوا على مختلف الفرق التي يشجعونها، حتى ريال مدريد وبرشلونة حاضران كشعارات في كمامات جيل مهووس بكرة القدم.

أيمن الشاب الذي لم يتجاوز عقده الثاني، كان يرتدي كمامة عادية سألته عن السر، فقال إنه يحتاج إلى الحماية من الفيروس، وليس إلى شعار فريق كرة القدم.
لكن صديقه مراد عكسه تماماً، قال إنه يريد أن يعرف الجميع أنه من محبي الفريق الفلاني، إضافة إلى تحقيق الهدف الأول والأخير وهو الوقاية.
والجدير بالذكر، أن المغرب حقق سبقاً في إنتاج الكمامات الواقية بوفرة وبأثمان زهيدة، وتمكن من كسب رهان تعميمها على المواطنين؛ حيث اختفى أهم حاجز وهو الثمن الذي شكل في بداية الجائحة إرهاقاً مضاعفاً للأسر، لكن بعد ذلك انخرطت العديد من المقاولات الخاصة بالنسيج وبدعم من الدولة في إنتاجها وترويجها وفق المعايير الصحية الدولية.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...