*أمجد إسماعيل الآغا
تساؤلات وحيرة طغت على جمهور المتابعين للتطورات الشرق أوسطية؛ هي تساؤلات ارتكزت على مسار السياسية الأمريكية الجديدة تُجاه المنطقة، وكيف ستتعامل مع العُقد التي ورثتها عن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، عطفًا على التحديات التي تفرضها المنافسة مع عديد القوى المتواجدة في المنطقة، بيد أنّ التغريدة التي تصدرت حساب جو بايدن بعد تنصيبه، تحمل أولوية الأولويات في إدارته، وتبدأ بإعادة تضميد جراح أمريكا التي خلفتها سياسات ترامب داخليًا وخارجيًا، وكان واضحًا أنّ تغريدة بايدن قد لخصت عنوان المرحلة الجديدة بـ “إعادة البناء”، والانطلاق جُزئيًا من شعار مرحلة ترامب “أمريكا أولا”، ما يعني أنّ إدارة الرئيس بايدن ستكرس هذا الشعار واقعًا عمليًا، نظراً للتركة الثقيلة التي تسبب بها سلفه الجمهوري. لكن في مقابل نهج الانعزال الذي توخاه ترامب في بداية ولايته، فإن إدارة بايدن انتهجت تجديد الالتزام بعدد من الاتفاقيات والقضايا الدولية التي تخلى عنها ترامب، مع إبقاء المشهد الشرق أوسطي تحت المجهر لمتابعة التحديات المتزايدة من “التنين” الصيني وعودة ملحوظة لدور “الدب الروسي”.
لكن ضمن ما سبق، يبقى الهاجس الأكبر يتمحور حول موقع ملفات الشرق الأوسط، في أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة، لا سيما أنّ هناك جُملة من التحديات المبكرة في منطقة تُعاني أصلاً من حالة الكباش السياسي والاقتصادي، مع إمكانية تحول التحديات إلى مناوشات عسكرية، قد تتطور لتتحول إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، وعليه يبدو أن إدارة الرئيس بايدن ستكون مضطرة للتعامل مع ملفات عديدة في المنطقة، حتى ولو كانت تعتبرها لا تحظى بالأولوية، وذلك لأسباب ودوافع عديدة يُمكن رصد عدد منها استناداً إلى وثائق وتقارير معتمدة بوزارة الخارجية والبنتاغون، كوثيقة القوة الاستراتيجية الأمريكية 2017، ومذكرة الخبراء لأعضاء الكونغرس والتي صدرت في يناير/ كانون الثاني 2021:
أولاً: متغيرات متسارعة في الشرق الأوسط، وترتبط بأدوار متزايدة لقوى كبرى صاعدة منافسة للولايات المتحدة في مقدمتها الصين ثم روسيا، وبتحركات قوى إقليمية تسعى لكسب مواقع نفوذ في الشرق الأوسط، وملء فراغات تركها تراجع الدورين الأمريكي والأوروبي في السنوات القليلة الأخيرة، ويتعلق الأمر بإيران وتركيا وإسرائيل.
ثانياً: متطلبات الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأمريكية، في مجالات والأمن والدفاع والحفاظ على مصادر الطاقة والمصالح التجارية.
ثالثاً: إن حفاظ الولايات المتحدة على دورها القيادي، سيضطرها للتحرك الديناميكي المتواصل والتعامل مع المتغيرات الجديدة في منطقة حُبلى بالتوترات، وشديدة التغير منذ بداية أحداث ما يُسمى الربيع العربي، ويُرجح خبراء أمريكيون بهذا الصدد بأن تفرض “تحديات مبكرة” على إدارة الرئيس بايدن، كما يصفها مايكل ايزنشتات مدير برنامج الدراسات الأمنية والعسكرية بمعهد واشنطن للدراسات.
في خضم المناقشات التي تُجريها الولايات المتحدة لإعادة تقييم استراتيجيتها في الشرق الأوسط، تسعى كل من روسيا والصين، والى حد أقل الهند والاتحاد الأوروبي، إلى نفوذ أكبر في الشرق الأوسط، وعليه فإن النقاش حول تنافس القوى الكبرى في الشرق الأوسط يُسلط الضوء على المطالب التي تريد هذه القوى تحقيقها، وما هي الوسائل التي تساعد في تحقيق أهدافها، ما يعني أن التنافس بين القوى الرئيسية لم يقد حتى الآن الى المواجهة المباشرة، ولكن اللاعبين الأقوياء ما زالوا يريدون تأسيس وتوسيع وتعزيز نفوذهم على حساب بعضهم البعض، فيما يبقى التعاون شيئاً عرضياً وتتحكم به الظروف المستجدة.
وبالرغم من أن الولايات المتحدة تبقى اللاعب الخارجي المهم، وحتى الأكثر أهمية في المنطقة، لكن التنافس بين القوى الكبرى يؤثر على آفاق السلام الإقليمي، وفي جانب أخر، فإن إمكانيات التعاون بين القوى الإقليمية أو الكبرى لاحتواء أو تخفيف الصراعات في الشرق الأوسط ستبقى غير ملائمة أو مؤثرة، ومع ذلك وبالنسبة لكل التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تبقى هي اللاعب الأكثر أهمية وقوة وتأثيرا في المنطقة.
*كاتب وإعلامي سوري