الإنفاق في سبيل الله في ضوء الكتاب والسنة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

أحمد براو

 

 

النفقة لغة: الإنفاق، بمعنى الإخراج والنفاد، يقال: نفق ماله ودرهمه وطعامه، أي: نفد وفني وذهب.
واصطلاحا: كفاية من يمونه مِن الطعام والكسوة والمسكن وتوابعها.

تنقسم الأوجه المشروعة للنفقة إلى قسمين: واجبة ومستحبة

ا – واجبة وهي أربعة أوجه :

أولا: النفقة على النفس وعلى الزوجة؛ لكونها محبوسة عنده عن الكسب، فجعل الله لها نفقة على زوجِها.
ثانيا: شرعت النفقة عل الوالدين عند حاجتهما للنفقة؛ إحسانا وبرا لهما
ثالثا: شرعت النفقة على الأقارب الفقراء؛ لأنها صدقة. وصِلة من حقوق القرابة، وقد جعل الله للقرابة حقا وجعل أجرها مضاعفا.
رابعا: أداء الزكاة المفروضة والكفارات والنذور ونحو ذلك.

ب – مستحبة:

كصدقة التطوع، والإنفاق في أوجه البر المتنوعة كالنفقة على اليتامى والأرامل والفقراء والمساكين، كالهبات والهدايا، والتبرع لمؤسسات إلخ…

يقول تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
فالمال مال الله تعالى يودعه عباده، ليبتليهم أيشكرونه أم يكفرونه، ويمحص طريقتهم في تدبيره وترشيده، سواء من طريق الكسب أو من طريق الإنفاق، فقد روى ابن حبان والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعم علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه”.

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“من نفَّس عن مومن كُربة من كُرَب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كُرَب يوم القيامة. ومن يسّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستَر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه…”
وَعن عائشة رضِي الله عنها، قالت: “قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانتْ لهم منائح ، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن ألبانهم، فيسقينا”
وروى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اتقوا النار ولو بِشقّ تمرة” ويقول عليه الصلاة والسلام: “الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار”
ورغّب الله تعالى عباده المؤمنين في البذل والإنفاق ووعدهم على ذلك أجراً عظيماً وبيّن لهم فضل عملهم هذا فقال الله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}

يقول ابن القيّم رحمه الله تعالى في شأن الصدقة: “إن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع البلاء حتى ولو كانت من فاجر أو ظالم بل من كافر، فإن الله يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء”

فينبغي للمسلم أن ينفق ويتصدق ولا يمسك عن الإنفاق والبذل، وليحرص على أن يكون عمله هذا خالصاً لوجه الله تعالى لا رياءً ولا سمعةً أو طمعاً بمنافع دنيوية من سمعة وثناء، وأن لا يُتبع نفقته بالمن والأذى لمن أعطاه وتصدق عليه. لأن الإنسان لا ينفق لأحد إنما ينفق لنفسه هو، فمن يبخل فإنما يبخل على نفسه وإن أنفق فعلى نفسه {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء}. ولا يمسك الإنسان ويبخل خشية الفقر فإن الله تعالى قد تكفل لمن أنفق في سبيله بالخلف. يقول الله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ويقول الصادق المصدوق: «ما نقصت صدقة من مال».
ومن أهم الأولويات في الإنفاق: رعاية القريب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لطلحة حينما أراد التصدق ببئره: “أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ”، فالقريب سواء كان قرابة نسب أو سكن وجوار هو أولى بالتعاهد والرعاية والصدقة، وذلك لا يعني الغفلة عن البعيد، فكلاهما يحتاج إلى فقه وموازنة، وبالإجمال فالقريب أولى.

فمن الآداب المتلقة بالإنفاق استحضار النية وإخلاصها لله بلا سمعة ولا شهرة أو لغاية ذكره بين الناس وشكره ورفعة لقدره بل أن يستشعر أن الله تعالى هو الذي منّ عليه ورزقه هذا المال ووفقه للإنفاق منه وسخّر له المحتاجين للصدقة وهنا يتواضع ولا يذكر ذلك، بل من الأفضل أن ينفق سرا ولو أن العلانية لابأس بها إذا كان غرضها تشجيع غيره ودفعه للعطاء والبذل ويحْذَر أن يمنّ بالعطية لأنها وبال محبطة للعمل بحيث تبطله. قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ…}

وإلا فالإنفاق الذي يتْبعه الأذى من مَنٍّ على الناس، أو تسبّب بالشحناء والبغضاء، أو فتنة، فإن الكلام الطيب، والدعوة الحسنى باللسان والتوجيه النافع، وبث الوعي، ونشر الإيمان، والدين الصحيح أنفع وأولى وأجدى.. يقول جل وعلا: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}.
وعن عبداللّه بن الشِّخِّير أنّه قال: أَتيْت النبيّ ﷺ وهو يقْرأ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ قال: يقول ابن آدم: مالي! مالي! وهل لك يا ابن آدم من مالك إِلّا ما أَكلتَ فأفنيتَ، أَو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت؟!
قال الله تعالى: {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.

وفي نفس المعنى يرغبنا ربنا عز وجل ويرهبنا، كما في سورة (البقرة) “يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة…” وقوله عز من قائل في سورة (المنافقون) “وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ”.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...