سلسلة حلقات تحليلية معمقة ترصد نهج الحكامة في عهد محمد السادس 1999-2021

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*د.محمد براو

 

يطيب لي وأنا اهدي جريدة ايطاليا تلغراف،المدير العام و رئيس التحرير وأعضاء هيئة تحرير محترمين وقراء أعزاء، صادق التهنئة بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم أن أختار هذا الشهر الرباني العظيم سانحة فضلى لكي أكتب لفائدتها سلسلة حلقات مستقاة من كتاب صدر لي بداية هذه السنة وذلك تنفيذا لوعد قطعته على نفسي وبادرت الجريدة بنشره على العموم عند تقديمها، قبل شهور خلت، لملخص تعريفي مشكور حول الكتاب المذكور.

هذه المساهمة موسومة ب : “نهج الحكامة في عهد محمد السادس” وستكون ممتدة في شكل حلقات متواترة على نحو اسبوعي. وتدور مضامينها حول المحاور الأربعة الرئيسة التالية:

1- الحكامة السياسية
2- الحكامة الاقتصادية
3- الحكامة الاجتماعية
4- الحكامة الادارية
على أن تتم توطئة المساهمة بمقدمات مفاهيمية لابد منها، لكن قبل ذلك رأيت من المناسب أن أضع هذه المساهمة، ولو باختصار شديد، في سياقها الذاتي والموضوعي، من خلال بسط أسباب النزول كما يلي.

في أسباب النزول

في سياق الاستجابة لدعوة الملك محمد السادس الكريمة للكفاءات الوطنية المغربية وأهل الخبرة للمساهمة في طرح تصوراتهم واقتراحاتهم بخصوص النموذج التنموي الجديد والطريقة المثلى لكيفية تنزيله وتعظيم آثاره، ونظرا لأن هذا النموذج، مهما بلغت درجة نضجه ومهما كان معماره بهيا وجميلا، فلا حظ له في النجاح والرسوخ بدون حكامة رشيدة أو جيدة كما جاء، عن حق وصواب، وبشكل واضح وصريح، في إحدى الخطب الملكية(1)، يأتي تأليف هذا الكتاب الذي شرعت في إنجازه وإرساء محاوره الأساسية في غضون السنة التي خلد فيها بلدي المغرب، الذكرى العشرين لعيد العرش، وقد تم تصميمه على أمل أن يشكل مرجعا تنويريا وسندا توجيهيا يتضمن عرضا لمبادئ استرشادية من بنات أفكار الفاعل الاسترالتيجي المحوري في منظومة الحكم بالمغرب، وذلك من أجل استلهام رسائله وتوجهاته في حسن تدبير الشأن العام بالمغرب بصفة عامة، وفي أفق تفعيل النموذج التنموي المنشود والوصول به إلى غاياته المقصودة بصفة خاصة. لكن لبداية نشوء واختمار فكرته قصة تروى.

ذلك أنه في سياق مواكبته الإعلامية للذكرى الخامسة عشرة لعيد الجلوس على العرش، سبق لي أن تلقيت اتصالا هاتفيا من موقع إلكتروني واسع الانتشار، طلب مني صحفي الموقع المذكور، انطلاقا من تخصصي العلمي وخبرتي الميدانية أن أكتب لفائدته تصريحا يتضمن قراءة تقييمية عاجلة وعامة حول “الحكامة في عهد محمد السادس” وأن أركز على المجالات الاقتصادية والإدارية والمالية، فاستجبت للطلب، رغم ضيق الوقت، بالنظر لأهمية الموضوع، وتم نشر المساهمة بالفعل في الثالث من شهر غشت 2014(2)، والتي ضمنتها محاولة تركيبية مبتسرة لديناميات الحكامة الملكية في المجالات الآنفة الذكر، على مدى الخمسة عشرة سنة المتراوحة بين 1999 و 2014، قسمتها إلى ثلاثة مراحل موضوعاتية مع الإشارة إلى إرهاصات مرحلة رابعة استشرافية ابتداء من سنة 2014. ومنذ ذلك التاريخ وفكرة توسيع تلك القراءة التركيبية التلخيصية إلى بحث أوسع وأشمل حول موضوعة الحكامة الملكية، تراودني بقوة، إلى أن عثرت على نفس المساهمة مقتبسة بشكل شبه كلي في مقالة مطولة كجزء من ملف تحت عنوان “حكامة السلطة …. الرؤية الملكية”، بجريدة وطنية بارزة بمناسبة عيد العرش لسنة 2018 (3) وهو ما شجعني على نقل الفكرة من طور التفكير والعصف الذهني إلى طور التقرير والتخطيط التنفيذي.

وفي الواقع، وللدقة التاريخية، فإن الفكرة قد تحولت إلى قرار “كامن” ينتظر التحقق والتنفيذ في أية لحظة، بفعل التطورات الكبرى التي زلزلت المشهد السياسي والتدبيري في بلادنا منذ خطاب 29 يوليو 2017 الملكي المفصلي، ذلك الخطاب الذي حرك المياه الراكدة مدشنا دخول مرحلة جديدة “حاسمة” بالتعبير الملكي، قوامها التفعيل الصارم والشامل لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي يعتبر بالنسبة للحكامة الجيدة بمثابة الروح للجسد. فما كان مني إلا أن تفاعلت مع هذه التطورات، تفاعلا علميا عمليا عندما ألفت كتابي المنشور باللغة الفرنسية أواخر سنة 2017 (4) حول تطبيق المبدأ المذكور أمام المجلس الأعلى للحسابات، هذا المجلس الذي بالمناسبة أراد له الملك أن ينهض بالدور المحوري المنصوص عليه في الدستور الجديد، في إطار عملية التنزيل النسقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وفي نفس هذا الاتجاه المتواتر، أجرت معي في نهاية سنة 2017 النسخة الفرنسية لموقع الكتروني مغربي رصين وواسع الانتشار (5) حوارا بمناسبة صدور الكتاب المذكور تضمن تعليقا تفسيريا واستشرافيا حول المنظور الملكي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على ضوء تفاعلات ملف الحسيمة -منارة المتوسط -.

تلكم، باختصار، هي حكاية نشوء واختمار فكرة تأليف مساهمة علمية تأملية حول “نهج الحكامة في عهد الملك محمد السادس”، هذه المساهمة، كما هو جلي تمام الجلاء، لا تنطلق من عدم ولا هي وليدة اليوم، هذا أولا، كما أنها تتطابق في موضوعها مع صميم تخصصي العلمي وتتناسب مع عميق وواسع اشتغالي الميداني ثانيا، وتعتبر، ثالثا، تتويجا للائحة طويلة من المؤلفات والدراسات والمقالات البحثية حول موضوعات الحكامة والشفافية والمحاسبة والرقابة على المال العام، نشرت على مدى أكثر من عقدين ونصف من الزمان، كان آخرها ثلاثة كتب على مدى الأربع سنوات الأخيرة: الكتاب المومإ إليه آنفا، والصادر نهاية سنة 2017، عن دار النشر الفرنسية لارماتان، والحائز على جائزة المغرب للكتاب في صنف العلوم الاجتماعية سنة 2018، حول تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة أمام المجلس الأعلى للحسابات؛ والكتاب الصادر عن دار المطابع الجامعية الأوروبية سنة 2019 حول قواعد المساءلة التاديبية المالية لمسؤولي وموظفي القطاع العام؛ وكتابي الموسوعي الأخير الذي يقع في جزأين و 983 صفحة، والذي نفذت أولى نسخه بسرعة، وقد تم تأليفه في عز وباء كورونا وربما بفضل إكراهاته، تحت عنوان: الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ودورها في التنمية وبناء الدولة، -من منظور عالمي مقارن وعملي-، الصادر صيف العام 2020. والذي سيتم طبع أعداد كافية منه خلال هذه السنة 2021 كما سبق لي أن وعدت القراء والمهتمين.

*د.محمد براو
باحث ومحلل في الشؤون السياسية والدولية
خبير واستشاري دولي في الحكامة ومكافحة الفساد -المغرب-

هوامش

1) في هذا الصدد يقول الملك محمد السادس: “الحكامة الجيدة هي عماد نجاح أي إصلاح، والدعامة الأساسية لتحقيق أي استراتيجية لأهدافها”؛ من خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب، الرباط 20 غشت 2014، ويقول مشددا على نفس المعنى بعلاقة مع النموذج التنموي: “إننا نستطيع أن نضع أنجع نموذج تنموي، وأحسن المخططات والاستراتيجيات. إلا أنه: بدون تغيير العقليات، وبدون توفر الإدارة على أفضل الأطر، وبدون اختيار الأحزاب السياسية لأحسن النخب المؤهلة لتدبير الشأن العام، وفي غياب روح المسؤولية، والالتزام الوطني، فإننا لن نحقق ما ننشده لجميع المغاربة، من عيش حر كريم”. من خطاب عيد العرش، طنجة 29 يوليوز 2017.

2) مقال يشير للمؤلف دون ذكر إسمه في العنوان: “خبير مغربي يُقيِّم نموذج الحكامة الاقتصادية في عهد محمد السادس”؛ موقع هسبريس؛ 3 غشت 2014 ، متوفر على الرابط التالي:
https://www.hespress.com/economie/237238.html

3) “حكامة السلطة …. الرؤية الملكية”؛ جريدة “الصباح” بتاريخ 30 يوليوز 2018. ملف بمناسبة الذكرى 19 لعيد العرش، متوفر على الرابط التالي:
https://assabah.ma/323468.html

4) Mohammed BERRAOU : « Responsabilité des acteurs de la gestion publique devant la cour des comptes : le modèle marocain » ; Préface de Xavier Vandendriessche. Présentation de Mohammed amine Benabdallah ; L’Harmattan ; Novembre 2017. Première édition. Prix du Maroc du livre, 2018.
5) Mohammed BERRAOU : «La reddition des comptes au Maroc est une révolution» ; Entretien avec le 360.ma du 18/11/2017 ; disponible sur le lien suivant : http://fr.le360.ma/culture/mohammed-berraou-la-reddition-des-comptes-au-maroc-est-une-revolution-143645

*حصريا حقوق النشر محفوظة

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...