سلسلة حلقات تحليلية معمقة ترصد الحكامة في عهد محمد السادس (28)

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*دكتور محمد براو

 

 

المحور الثالث: الحكامة الاجتماعية

يتناول المحور الثالث وسيرا على المنهج المتبع في جميع محاور البحث الأربعة، فحوى المنظور الملكي للحكامة الاجتماعية في مبحث أول (أولا)، وفي مبحث ثان محاولة من الباحث في بسط تأملاته واستنتاجاته (ثانيا).

ثانيا : تأملات واستنتاجات

الحكامة الجيدة في مواجهة الجائحة الصحية كوفيد 19 وآثارها الاقتصادية والاجتماعية: االملك يقود عملية الاستجابة لتحديات الأزمة مع الاعتراف بقساوتها

يقول الملك: “ومن هنا، فالعناية التي أعطيها لصحة المواطن المغربي، وسلامة عائلته، هي نفسها التي أخص بها أبنائي وأسرتي الصغيرة؛ لاسيما في هذا السياق الصعب، الذي يمر به المغرب والعالم، بسبب انتشار وباء كوفيد 19”.
وفي هذا الشأن أعطى الملك تعليماته لإحداث صندوق خاص لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء. وما أثلج صدرنا أن هذه المبادرة، لقيت حماسا تلقائيا، وتضامنا متواصلا. وهو ما مكن من تعبئة 33 مليارا و700 مليون درهم. وقد بلغ مجموع النفقات إلى حدود الآن 24 مليارا و650 مليون درهم، تم صرفها لتمويل تدابير الدعم الاجتماعي، وشراء المعدات الطبية الضرورية. كما تم رصد خمسة ملايير لصندوق الضمان المركزي، في إطار إنعاش الاقتصاد. وقد وجه الملك الحكومة لدعم صمود القطاعات المتضررة، والحفاظ على مناصب الشغل، وعلى القدرة الشرائية للأسر، التي فقدت مصدر رزقها.

ومع ذلك، يقر الملك بأسلوبه الصريح أن عواقب هذه الأزمة الصحية ستكون قاسية، رغم الجهود التي نقوم بها للتخفيف من حدتها. من أجل ذلك، يدعو “لمواصلة التعبئة واليقظة والتضامن، والالتزام بالتدابير الصحية، ووضع مخطط لنكون مجندين ومستعدين لمواجهة أي موجة ثانية من هذا الوباء، لا قدر الله، خاصة أمام التراخي الذي لاحظناه”.

وقد تم تنزيل هذه التوجهات، من خلال خطة تنفيذية وطنية للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما من حيث تعميم التغطية الاجتماعية التي تضمنت على الخصوص:

إصلاح الإطار القانوني والتنظيمي؛
إعادة تأهيل الوحدات الصحية وتنظيم مسار العلاجات؛
إصلاح الأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حاليا، للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين،خاصة عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد؛
إصلاح حكامة نظام الحماية الاجتماعية؛
الإصلاح الجبائي المتعلق بإقرار مساهمة مهنية موحدة.

ولكن المشروع الاجتماعي الملكي الطموح يبقى هو المشروع المعلن عنه أخيرا والمتمثل في تعميم الحماية الاجتماعية، الذي يستهدف الحفاظ على كرامة المغاربة ودعم قدرتهم الشرائية واندماج القطاع غير الرسمي (غير المهيكل).
إذ يشكل تنفيذ هذا المشروع الكبير نقطة انطلاق لتحقيق التطلعات الملكية لصالح جميع مكونات المجتمع المغربي، من حيث الاستجابة لتحدي تعميم الحماية الاجتماعية، ويمثل، بالإضافة إلى ذلك، رافعة لإدماج القطاع غير الرسمي في النسيج الاقتصادي الوطني ، بما يضمن حماية الطبقة العاملة وحقوقها ، فضلاً عن نقطة تحول حاسمة على طريق تحقيق التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية والمجالية.

المغرب بحاجة الآن لتبني وتفعيل وتعميم آلية التقييم على جميع المستويات فيما يخص جميع المشاريع العمومية ولا سيما المشاريع الاجتماعية، وبشكل منتظم

لكن، ما هو المقصود بتقييم البرامج والمشاريع العمومية؟ ما هو تعريفه وماهي أدواته وكيفيات تنفيذه؟
إن التقييم يكتسي طابعا فنيا موضوعيا لا يستقيم أن يخترق مجال الملاءمة السياسية مع أن نتائجه قد تؤثر على اتخاذ القرار السياسي أو على النظرة التقييمية لوجاهته وجدواه بل وقد تجعل تعديله أو التراجع عنه أحيانا أمرا محتوما:

ما يجب أن ينصرف إليه معنى التقييم

-مناسبة للحصول على العناصر التي تشتغل جيدا وتلك التي تشتغل بشكل محدود.
– مناسبة لتغذية المشروع بتغييرات أو تصويبات.
-أن يكون مفيدا وعملانيا ومتناسبا مع الأهداف المرجوة.

ما لا يجب أن ينصرف إليه معنى التقييم

-مناسبة لتوجيه أصابع الاتهام أو إلقاء اللوم والتوبيخ.
-نشاط يخلق الخوف من احتمال تقليص المشروع أو إلغائه.
-نشاطا مناسباتيا.

البعدان الأساسيان للتقييم

-البعد الكمي: ينصرف إلى قياس آثار العمل العمومي من خلال مقارنة النتائج بالأهداف المرسومة وبالوسائل الموظفة، بواسطة، على الخصوص، مؤشرات الأداء أو الإنجاز.
-البعد الكيفي: ينصرف إلى الحكم على وجاهة الأهداف، وبالتالي، قد يقود عند الاقتضاء إلى مراجعة الخيارات.

التعريف المبسط للتقييم
التقييم هو أداة قياس تخدم الأغراض التالية:

– فحص العلاقات السببية التي تعبر بالمشروع من الأنشطة إلى النتائج.
-تفسير عدم الحصول على بعض النتائج المنتظرة.
-فحص عملية تنفيذ المشروع.
-تقديم الدروس والعبر، تطوير الفعالية والآثار القريبة والبعيدة، بالنسبة للمشاريع والبرامج المزمع إنجازها مستقبلا.
من كل ما سبق يمكن أن نستنتج أن التقييم يختلف عن التتبع، ويختلف عن التدقيق وإن كان هذا الأخير مفيدا في إنجاز خطوة تقييم التنفيذ.

المبادئ التوجيهية للتقييم

من المتفق عليه أن التقييم يخضع لأربعة مبادئ توجيهية وهي:
الجدوى، وقابلية التطبيق، والصرامة القانونية والمنهجية، والدقة.

الجدوى :
وتتطلب أن يكون المقيمون ذوي مصداقية من أجل القيام بمهمتهم بكفاءة عالية تقود إلى الخروج بملاحظات ومعاينات موصوفة بعناية فائقة.

القابلية للتطبيق :
أي أن تنفذ المهمة بواقعية وحذر ويقظة وهو ما يتطلب مناهج واقعية، والانتباه إلى أي عنصر خارجي ذي طابع سياسي (كمجموعات الضغط) من أجل ضمان التعاون وتفادي العرقلة، والانتباه إلى معادلة العلاقة بين الكلفة والفعالية في مهمة التقييم.

الصرامة القانونية والمنهجية: أن يتم إنجاز المهمة في إطار الاحترام الكامل للقانون والإجراءات المسطرية والمنهجية، والاعتبارات الأخلاقية المهنية.
الدقة :وتقتضي جمع معلومات واضحة ودقيقة، والتحليل الدقيق لسياق المشروع، والوصف التفصيلي للأهداف والمناهج، واستخدام مصادر معلومات موثوقة، مع تحليل المعلومات الكمية والكيفية، وتبرير الخلاصات والاستنتاجات من أجل تقديم تقرير حيادي يعكس هذه الخلاصات والاستنتاجات.

(يتبع)

حقوق النشر محفوظة

*باحث ومحلل في الشؤون السياسية والاستراتيجية
خبير دولي في الحكامة ومكافحة الفساد
[email protected]

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...