النخب الآكاديمية في المغرب ، بين الخبراء الحقيقيين و المتطفلين على التخصص

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*عبدالرحيم برديجي

 

تطل علينا بين الفينة و الأخرى ، عبر القنوات التلفزية ، عبر الجرائد أو عبر الندوات الرقمية ، وجوه أصبحت مألوفة عند المتتبع للشأن الوطني ، أو ما هو مرتبط بعلاقات المغرب الخارجية . وجوه تسوق للرأي العام على انها خبيرة في تخصص ما ، وهي صفة تفرض على أصحابها مسؤولية تقديم الجديد و المفيد . ونعني بالجديد هنا أمورا تدخل في نطاق هذا التخصص وهي غير متاحة لغير المتخصصين أو الباحثين في ذلك المجال ، و قد تستغلها العامة للإستفادة و التعلم مما يجعلها برامج ديداكتيكية ويجعل المسؤولية أكبر على عاتق المشاركين في هذه البرامج أو كتاب المقالات المتخصصة.

المتعارف عليه دوليا أن المحللين المختصين ينحصر اختصاصهم في مجال معين ، وفي كل مجال تتشعب التوجهات لنجد ميكروتخصصات تفرز دراستها خبراء و هكذا . ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تجد متخصصا في كل شيىء كما هو موجود عندنا ، يمكن أن يفتي في العلاقات الدولية من اليابان لكوستاريكا و من القطب الشمالي للجنوبي ، وهذا غير منطقي ، وهو ما يجعل هؤلاء ( الخبراء) لا يقولون جديدا ، بل تجدهم يرددون خطابا عاما يمكن أن يقوله أي شخص له الحد الأدنى من المعلومات .

بالنظر لقضية الصحراء أو أزمة المغرب و إسبانيا ، و تعامل البرامج التي تشهد مشاركة من يفترض أنهم مختصين ، و بأنهم نخب أكاديمية يجب عليها أن تقدم قراءة مختلفة عن القراءة السياسية ، التي يقدمها المسؤولون الذين من الطبيعي أن يتحفظوا في التصريح و يستعملوا جملا فضفاضة و خطابا دبلوماسيا نظرا لحساسية المنصب و الجهة التي يمثلونها . لكن النخب الأكاديمية ليست لها هذه الضوابط ، و المتلقي ينتظر منها توضيحا أكبر ، و معلومات أكثر و خطابا أوضح . وليس تكرارا لنفس الخطاب الذي ألقاه السياسي، أو ما صدر في تقارير وكالة الأنباء الرسمية و نشرات الأخبار ، وإلا فما جدوى حضورهم للبرامج ؟ ، الأجدى في هذه الحالات أن تتم إذاعة تسجيل لتصريح وزير الخارجية إذا كان أقصى ما تقدمه النخب الآكاديمية هي تكرار نفس الخطاب و بنفس العبارات .

نفس ما يقع في البرامج نجده في المقالات المكتوبة التي لا يقدم أغلبها جديدا يذكر ، و كأنه نفس خطاب المسؤول على لسان هؤلاء. حتى صرنا نصادف متطفلين على التخصصات يفتون في أمور لم يدرسوها يوما، بل صاروا يعلقون على جباههم يافطة خبير في هذه المواضيع . ولعل المتتبع يتذكر الأسبوع الذي أعقب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء حيث شهدنا الخبراء يتوالدون و يكررون نفس الخطاب و نفس العبارات وكأنها نفس الورقة تنتقل من يد هذا لذاك في كل القنوات الرسمية ، وان انتقلت للصحافة المقروءة تصادف نفس الوجوه و نفس الخطاب فعن أي مختصين و خبراء نتحدث ؟
هل صرنا نعاني أزمة نخب آكاديمية؟
أزمة احترام للتخصصّات ؟

أم أن المنابر الإعلامية تتحمل جزءا من المسؤولية حين تجعل الولوج إلى البلاطوهات و إلى النشر يأتي تحت يافطة المعارف و الزبونية و الصداقات بدل الأهلية و التخصص ؟
هذا لا يعني عدم وجود نخب يستفيد منها المتتبع ، و في كل ظهور تلفزي تسمع منهم معلومات و احداث قد تضيف للمتلقي مايشفي الغليل و مايعطي للباحث أثرا يمكن أن يتبعه للتعمق بحثا، هي موجودة لكن نخب الفقاعات و الوساطات غطت عليها. 
كما توالد أشباه المختصين حتى صارت الساحة تعج بمن لم يدرس تخصصا و تجده يفتي فيه ، و هناك من صار خبيرا في أمور فقط لصداقته بمختص ما أو لجلوسه مع مختص ما في المقهى ، وكأن التخصص يعدي ،تحت الشعار العامي ( مع من شفتك شبهتك) .

من حقوق المواطن على الإعلام تقديم مختصين حقيقيين ، و خبراء ، لكي يعطوا الجديد و الإفادة والخطاب المغاير ، ومن غير المقبول أن يقدم الإعلام خمسة أشخاص فقط يتناوبون على برامج القنوات الرسمية في كل المواضيع ، و كأن مجموع الخبراء في العلاقات الدولية هم هؤلاء فقط ، في بلد تعداد سكانه أربعون مليونا . وهو نفس ما نراه في الوفود التي تمثل المغرب في المنتديات الدولية للترافع عن القضية الوطنية ، حيث تشارك نفس الوجوه التي تمثل الصحراويين الوحدويين و الحقوقيين القادمين من الصحراء المغربية ، و كأن مجموع الوحدويين في كل ربوع الصحراء المغربية هم هؤلاء العشرة أشخاص فقط ، والذين يشاركون منذ سنوات ، بدل تأطير غيرهم و تكوينهم و تغيير المشاركين في كل لقاء ، لأن مشاركة نفس الأشخاص توحي بأنهم الوحيدين الذين يدافعون عن مغربية الصحراء من بين كل ساكنة الصحراء المغربية.

ومن حقوق المواطن على المتخصصين أن يحترموا تخصصهم ، وألا يقبلوا المشاركة في برنامج بخصوص تخصص بعيد عن ما درسوه و ما تخصصوا فيه، و بأن كتابة المقالات من أجل الكتابة فقط ، تحت يافطة ( المهم هي المشاركة) ، لا تضيف للأكاديمي شيئا ، فأحيانا أن يصمت الإنسان خير من أن يتكلم ويكرر ما قاله المسؤولون أو يكتب دون أن يقدم جديدا أو مفيدا.

*باحث في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...