كورونا والفاقد التعليمي وأبعاده المستقبلية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

*ذ.عبدالبصير جمال أحمد عيد

 

 

إن الناظر عن قرب لآثار جائحة كورونا على هذا الجيل يجد أنها مدمرة بكل المقاييس. فالعالم الآن يخوض حربًا طاحنة، لكن هذه المرة ليست بالأسلحة التي تدوي أو تسفك أو تُشرد بل هي حرب جديدة من نوع يمس أطفالنا الذين هم مستقبلنا.
في هذه الحرب لا مكان للدُّول المترهلة أو التي يتعشش فيها الفساد أو التي تقتاتُ على عطايا الدول الغنية والمنظمات الإنسانية والدولية.

في حين كان شعار الفترة الماضية من هذا القرن “لا يوجد طفل يترك خلفنا”، لكن الآن تقول احدى الكاتبات معنونة في جريدة ذا تلغراف “لقد تركنا أطفالنا خلفنا”. في تعبير عن مدى السوء الذي اقترفه العالم في حق أطفالنا من منعهم حقهم الأساسي وهو التعليم.
تشير الدراسة الاستقصائية التي أجرتها اليونسكو واليونيسيف والبنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي على أن بلداً من كل ثلاث بلدان لم يتخذ إجراءات لمساعدة الطلاب على استكمال تعليمهم في مرحلة ما بعد إغلاق المدارس بسبب كوفد-19.

وجاء في تقرير للمنظمة أن “أكثر من 100 مليون طفل لم يستوفوا الحد الأدنى من مهارات القراءة بسبب الإغلاقات التي فرضتها جائحة كوفد-19”.
وبعد تأثر دراسة ملايين التلاميذ حول العالم في الحصول على التعليم بسبب جائحة كورونا يأتي الخبراء والتربويين والحكومات في وضع خطط من شأنها أن تعوض الفارق كما يقولون. ذلك الفارق الذي لطالما كان موجوداً في الوضع الطبيعي قبل الجائحة.
وقد ذكرت منظمة “اليونيسكو” أن ما يقارب ٦١٧ مليون طفل في المرحلة الابتدائية يفتقرون للمهارات الأساسية في الحساب والقراءة، وذلك في تقرير للمنظمة في عام ٢٠١٩.
إن حجم الكارثة التي تواجه التعليم كبيرة، وخاصة إن لم تخطوا الدول خطاً جادة ومبتكرة لوضع حد لهذا التدهور والتهور في مستقبل الأجيال القادمة الذين هم مستقبلنا.

الاهتمام بالخدمات التعليمية والتأكد من وصولها للتلاميذ بالشكل الصحيح جزء من واجبات الحكومات تجاه شعوبها. وصول الحواسيب وتوزيعها على التلاميذ وتأمين شبكة انترنت قوية تتيح للتلاميذ الوصول لمنصات التعلم الرقمية جزء من العبء على كاهل وزارات التربية والتعليم الذي يجب أن يلتزموا به.
المشكلة غالباً لا تكمن في المدن الكبيرة التي تتوفر فيها الخدمات بل في المناطق البعيدة والقرى المتناثرة في أصقاع المعمورة التي تعاني من الانعزال والإهمال في أبسط الخدمات ومنها التعليم.

إن الآثار التي ترتبت على إغلاق المدارس وخاصة لطلاب المرحلة الأساسية له تبعاته السيئة والوخيمةِ على مستقبل أطفالنا على المدى القريب والبعيد. وقد ذكرت إحدى الدراسات أن فقدان الطالب لثلث ما ينبغي تعلمه خلال الصف الثالث أي ما يعادل ثلاث أشهر من الإغلاق، إلى تخلف 72٪ من الطلاب إلى حد أنهم سيكونون لدى بلوغهم الصف العاشر إما قد تسربوا من المدارس وإما فقدوا القدرة على تعلم أي شيء في المدرسة.

وبالتالي فإن المسؤولية كبيرة ولا يجب أن يتهاون بها، وعلى الأهل أن يدركوا أن التعليم مهم ويعتبر أولوية وخاصة في مراحل السنوات الأولى التي يجب على الطفل تعلم تمييز الحروف والقراءة والكتابة ومهارات الحساب. وجزء من حل هذه المشكلة هو أن تكون عملية التعلم مستمرة بغض النظر عن وجود عطلة نهاية الأسبوع أبو العطلة الطويلة بين الفصول. كما أن إشراك التلاميذ في برامج تقوى مهاراتهم وتنميتها مثل برامج القراءة والحساب لها دور كبير في تخفيف حجم الهوة التي أنتجتها الجائحة.

ومن أهم الأمور التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار في تنشئة وتربية الأولاد هو احترام الوقت، وعدم تركهم فريسة سهلة للألعاب الإلكترونية ومقاطع الفيديو، وزرع روح المسؤولية نحو تعلمهم، وخاصة للمراحل الدراسية العليا. كما أن الإرشاد الأسري والرقابة في المنزل لها دور كبير في المرحلة المقبلة لا يجب التهاون به.

*كاتب وخبير تربوي

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...