شيرين أبو عاقلة!

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

بقلم زيد عيسى العتوم

 

 

لو أُنعشت ذاكرة تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قليلاً, أو حتى اختلطت نظرات الأسى والقهر الممزوجة بمشاعر اليأس عند رؤية خارطة فلسطين المحتلة, أو أطلقنا العنان لذلك الوعي الجمعيّ لجموع الفلسطينيين والعرب من حولهم, أو حاولت رقابُنا مطاولة جدران الفصل العنصريّ لرؤية الحاضر واستشراف المستقبل, كم هو محزن أن لا ننتظر وليداً وأن لا نتوقع جديداً, فأركان الجرائم وأدواتها متماثلة ومكرّرة, تختلف بأزمنتها عندما تتعاظم شهوة القتلة وأمزجتهم, رائحتها برائحة الموت والبارود, ولونها بلون الدم المحروق, وأرواح ضحاياها ما زالت تترنم ببقايا حناجر من أبّنوها, وقبورها تتسع رقعتها بأكثر مما تبقى من رقعة فلسطين.

القاتلُ واحدٌ لا يتغيّر, اسمه إسرائيل أو الكيان الصهيوني فلنُسمّه ما شئنا, عنوان القاتل هو أرض فلسطين براً وبحراً وجواً, تاريخ بداية تربّص القاتل بالضحايا هو العام 1948, أداة الجريمة إما بندقيةُ قناصٍ أو قذيفةُ مدفع أو صاروخٍ من طائرة, من يملك موقع الجريمة مجموعةٌ من شواهد القبور المكسرة, أو أحفادٌ للاجئين في أرضهم أو في الشتات, دافع الجريمة وغايتها اغتصاب الأرض والعرض, المحامون عددٌ من الساسة والشعراء والمثقفين, تمثيل الجريمة لا داعي له, فعدسات المصورين أصدق من أعيننا, المجني عليه شعبُ فلسطين المحتلة, المحكمة موجودةٌ في فضاء عالمنا الممتد, الجاني فارٌّ من العدالة, تاريخ تنفيذ الحكم ” الله أعلم”.

قُتلت شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين, وفي مخيم جنين فضائعٌ وأهوالٌ تُروى وتُروى, ورحلت بعد أن سبقها السابقون وسيلحقها اللاحقون, كم هو خادشٌ للروح ومؤلمٌ للقلب أن تتحول تلك الفلسطينية البريئة الى جثةٍ هامدة تفترش الارض برصاصة مجرم!, لا أظنه كان يرغب سوى بإسكات صوتها وكسر صورتها, أو بالأحرى وأد الحقيقة في مهدها, أما الردّ الاسرائيلي اليوم فهو بالكاد كإطلاق ضحكةٍ باهتة في ساحةٍ للموت والعزاء, ” لقد كان اطلاق النار من الجانب الفلسطيني كثيفا”, ” لا نعرف بالتحديد من الذي قتلها”, ” “ندعو لتشكيل لجنة تحقيق اسرائيلية فلسطينية مشتركة”, أما اللجان والمؤسسات الحقوقية والصحفية الدولية فستكترث مؤقتاً بقتل تلك الصحفية أثناء ممارستها لعملها, وتنسى أو تتناسى قتل شيرين الفتاة الفلسطينية العزلاء على أرض فلسطين المثقلة بجراحها, وفي أروقة الأمم المتحدة لا بدّ وأن نرى دماء تلك الفتاة تتوزّع بين دهاليز السياسة ومطرقة الفيتو وسندان التشدق بنبذ العنف من كلا الطرفين.

رحم الله شيرين أبو عاقلة وأسكنها جنات الخلد, وعاشت فلسطين في قلب كل عربيّ غيور.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...