استشارات بالجملة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

 

مصعب البدور

 

 

درجت عادة جديدة في مجتمعاتنا العربية الحديثة، تثير الاستهجان والاستغراب، هذه العادة هي الاستشارات المفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي و”الكلام للجميع”، فإذا دخلت إلى صفحات الانستغرام أو الفيس بوك، فستجد جمعا غفيرا من المنشورات التي تعرض قضايا للعامة ليفتوا فيها، ونحن مثل ما تعرفون مجتمع عربي والجميع حريص كل الحرص على المشاركة في القضايا التي تحتاج إلى نقاش، ولا أحد يبخل عليك برأيه.

ولتسليط الضوء على هذه الظاهرة دعونا نتحدث عن أنواع الاستشارات، فمنها عادات اجتماعية، ومنها علاقات أسرية، ومنها دراسية ومنها تقنية ومنها متعلقة بميكانيك السيارات ومنها، ومنها ….
وفي هذا المقام أود التذكير بأن الشورى مبدأ إسلامي مهم، ومقدم في شتى شؤون الحياة، لكن الحالة القائمة في مواقع التواصل الاجتماعي حالة خطرة، وتكمن خطورتها في جوانب منها: أن الشورى تفقد شرطها الأساسي، وهو أن المستشار شخص موثوق يجمع محاسن الأوصاف، وهو كذلك معروف مكانة ومحلًا، وله تجارب ومعرفة ودراية، وأما الثاني: فانتهاك خصوصية الناس، وأسرار حياتهم، إذ وصلت الحالة إلى نشر بعض تفاصيل غاية في الدقة والحساسية، وأمّا الثالث فيكمن في تعقيد الفضاء الاليكتروني، فأنت لا تدري من يقابلك وما غرضه وما كيانه.

والإشارة هنا إلى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي فقدت بوصلتها وهدفها، فإن نظرت في منشورات الاستشارات لشاهدت آلافا مؤلفة من التعليقات، والتعقيبات، بين ساخرة وجادة، فلكل واحد تجربة وخبرة في مختلف شؤون الحياة، ولهم قصص مشابهة ولهم معرفة لا تتناهى، وكلهم أصحاب رأي.
استشارات جاذبة
‏إن أكثر ما يجذب المشاركاتِ الاستشاراتُ الزوجية، ومن أمثلة الاستشارات الزوجيّة التي رصدت في مواقع التواصل الاجتماعي:
*****: “زوجي كريم وطيب يعاملني معاملة حسنة، لكنه يشخر أثناء النوم، وهذا يخلق مشاكل بيننا، أفيدونا بآرائكم”.
******: “زوجي شاب وسيم وأنا أحبه لكنه نسونجي ويحب الفتيات. شو أعمل احكوا لي”.
*******: “زوجي شهم وخلوق لكنه بخيل بعض الشيء؛ فهو يشتري الثياب من (……..) ولا يشتري من (…….) كيف بقدر أعمل بهاي الحالة.”
*******: ” خطيبتي طلبت من مصروف شهري، هل هذا استغلال ولّا طبيعي، احكوا لي”
******: “زوجتي بتروح كل أسبوع مرتين أو ثلاث لعند أمها تساعدها، وأنا كثير منزعج بطلع لي أمنعها؟”
‏أما ما يجذب المستشارين والمعلقين، وبشكل لافت فالاستشارات الدينية، ومن أمثلتها:
****: “أنا بنت بصلي مرات بالبنطلون، هل يجوز أن أصلي بالبنطلون؟ أفتونا”
*****: “أنا أضع مناكير هل يجوز لي الصلاة؟”
*****: “أنا شاب بصلي وبصوم وبحب بنت مو محجبة، بتنصحوني أرتبط فيها؟”
******: “أنا شاب أتوضأ وأمسح على الجوارب كل يوم، وأخبرني زميلي أن المسح على الجوارب لا يصح أفيدونا”.
‏ومن الاستشارات التي يعلق عليها بشكل واضح استشارات الأمور الحياتية ومن أشيعها على مواقع التواصل:
******: “أخذت قرض من البنك….. في مدينة…… وسافرت دون تسديد القرض، هل يمكنني العودة مرة أخرى؟”
*****: أنا عندي سيارة كهرباء واسعة وجديدة، ممشاها حوالي 600 كم هي بتكون كويسة ولا نصبوا عليّ؟”
******: “أنا بشتغل بمتجر وصاحب المتجر أخذ جوازي ومن ثلاثة أشهر ما دفعوا لي راتب شو بقدر أعمل؟”
وتجدر الإشارة إلى استشارات فريدة من نوعها وهي ‏استشارات المال والأعمال ولها مثال متكررة
******:”معي مئتا ألف دينار، وأريد أن أفتح مشروع نصائحكم” -يا رجل لو معك المبلغ ما بكون عندك وقت تستشير جموع المعلقين والمعلقات-.
‏مستشارون رفيعو المستوى
ولتكتمل صورة ما يجري لا بد من اطلاعكم على أنواع المستشارين الذين يجودون بآرائهم ومشاركاتهم في مجالات شتّى وإليكم بعضهم:

‏المستشار الأول: اسم الحساب: الحياة الزوجية السعيدة.
الوصف: فاسخة الخطوبة خمس مرات، ومطلقة مرتين، وتسببت في طلاق زوجات أشقائها، والعديد من الجارات والمعارف، الرد على أي استشارة: “اطلبي الطلاق فور، ما بيستاهلك أو طلقها فورا ما بدك إياها”.

المستشار الثاني: اسم الحساب: فاهمك يا دنيا.
الوصف: عاطل عن العمل، متخرج بعد تحويل مجموعة تخصصات، لم يستمر بأي وظيفة عمل بها بسبب ضعفه، متخصص بالإجابة عن استشارات التوظيف وقوانين العمل، وجوابه واحد لكلّ استشارة المتعلقة بمشاكل العمل: “اقعد بالبيت أكرم لك من الذّل الي بتحكي عنه”.

المستشار الثالث: الاسم: *****.
الوصف: مطلوب للتنفيذ القضائي بسبب الشيكات والقروض، الإجابة على الاستشارات: “عندك خياران إما بتخلي مصاريك بجيبك، أو بتفتح مطعم، معلمي الأكل عمره ما بيخسر، يعني شو ما صار الناس رح تظل توكل.”
وللمستشارين بقية معلومة في حساباتكم الافتراضية وفي حياتكم الواقعية، (وإذا بتسمعوا مني …. بلاش أ حكي أحسن).
خلاصة القول
إن الاستشارة أمر ضروري لاستقامة الحياة، ولكن عزيزي المستشير أرجوك تجنب الفضائح العلنية، بإخراج أسرار حياتك وتفاصيل بيتك وعائلتك إلى ملأ مجهول، وأنت عزيزي المستشار أرجوك تذكر أن الكذب خيانة وأن المستشار مؤتمن، وتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فليقل خيرا أو ليصمت.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...