التعبيرات الفنية والفكرية في لوحات المغربية خديجة عدناني

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

*مصطفى لغتيري

 

 

تعددت مدارس الفن التشكيلي وتطورت عبر الزمان، متأثرة في ذلك بالجو الفكري الذي أنتجها، بل اعتبرها البعض أكثر تعبيرا عن فكر وثقافة عصر من العصور أكثر من غيرها من التعبيرات الفنية والفكرية، لأنها تعبير حضاري عميق عن مكنونات الإنسان حتى في بعده اللاواعي. ورغم أن الفن التشكيلي شط بعيدا في تجريديته، حتى أصبح أكثر الناس عاجزين عن فهم بعض تعبيرات، بدعوى أن الفن لا يطلب منا أن نفهمه، بل أن نشعر به فقط، لأن الإحساس الذي تخلقه فينا اللوحة أبقى وأطول أثرا من أي فهم، وهذا ما حفّز كثيرا من الفنانين لامتطاء صهوة التجريد إلى أبعد الحدود، ومع ذلك تبقى للوحة التعبيرية مكانتها المميزة في المشهد التشكيلي العالمي عموما، والمغربي خصوصا، لأنها تحاول أن تنقل لنا بنوع من الفينومينولوجيا ما يقع مباشرة على الحواس، وهو ما اعتبرته الفلسفة الظاهراتية أصدق تعبيرا عن تصور الإنسان لنفسه وللعالم من حوله. وقد افتتنت التشكيلية المغربية خديجة عدناني بهذا التوجه، الذي يحاول أن ينقل لنا مكامن الجمال من حولنا، المتجسدة في المظاهر الخارجية للكائنات والأشياء، فالعين اللاقطة ، الراصدة للوجود من حولنا، تحاول أن تشركنا في استمتاعها بمكونات الوجود، التي تنقل إلى الفرشاة كل التفاصيل المؤثثة للفضاء الطبيعي، الذي يؤطر الوجود، ثم تختار لها ألوانا معينة تميزها بشكل خاص، لتشكل بها لوحتها، هذه الألوان الهادئة المطمئنة، التي غالبا ما تكون تعبيرا عن الرقة التي ترى بها المرأة عموما العالم من حولها، محاولة من خلالها أن تنشر ذلك الهدوء النفسي في أعمالها لتنقله إلى المتلقي.

خلال العرض الأخير الذي شاركت فيه خديجة عدناني، بمناسبة الحفل الافتتاحي لجمعية سمفونية الزهور للثقافة والفنون، لاحظنا اللوحات ظلت وفية للنمط الذي اختارته الفنانة لنفسها، نمط تعبيري يحاكي الواقع، ويتميز بلمسة إنسانية واضحة، تجلت من خلال الوجوه التي أثثت اللوحات، وهي وجوه لنساء مغربيات يتميزن بتمسكهن باللباس التقليدي، الذي يتنوع حسب مناطق المغرب، التي تختلف فيها العادات شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وقد أبدعت الفنانة في رسم ملامح الوجوه، التي يتربع على سحناتها ذلك الصفاء والهدوء، الذي هو ترجمة حقيقية لهدوء داخلي، والذي يمكن اعتباره في أحد مستويات التأويل دعوة لبث السلام والطمأنينة في النفوس، ومن ثمة تنطبع على الوجوه كذلك.
كما يلاحظ الزائر للمعرض البعد التراثي للإنسان المغربي من خلال بعض ملامح العمارة المغربية، التي تأثرت- كما هو معلوم- بأبعاد حضارية عدة أهمها الحضارة الأندلسية، فجاءت الأقواس والنوافذ لتعبر عن هذا الغنى الحضاري والزخم التراثي، كما أن وجود الحصان بإرثه التاريخي العميق، يزيد بعض اللوحات عمقا حضاريا محليا، خاصة أننا نعرف مكانة الفرس لدى الإنسان المغربي، الذي يبجله ويعتبره فأل خير، علاوة على النخوة التي يتميز بها ويمنحها لصاحبه كلما امتطى صهوته، أو رافقه في رحلته. دون أن ننسى العمق الافريقي للهوية المغربية، الذي بدا بارزا في بعض اللوحات وهو البعد الذي ما تفتأ كثير من التعبيرات الفنية تجاهله، رغم لمسته البارزة على ملامح ونفسية وثقافة الإنسان المغربي. وخلاصة القول إن لوحات عدناني تعبير عن العمق الحضاري للإنسان المغربي، الذي تجلى واضحا في أعمالها، وعبّر عن نفسه بشكل يكاد يكون تلقائيا، لكن بلمسة فنية بارزة تمنح الزائر متعة بصرية خاصة.

*قاص مغربي


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...