الإعلام : سلاح من يمتلكه

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

عبير جفال

 

 

الإعلام كلمة ترددت على مسامعنا منذ مدة طويلة إلا أنها برزت بشكل كبير في الآونة الأخيرة ، حيث أصبح الإعلام سلاح من يمتلكه بل وأكثر من ذلك فهذا الأخير باستطاعته أن يجرم البريء و يبرئ المجرم، دعونا نعرف الإعلام أولا ، اختلف المفكرون في وضع تعريف شامل للإعلام إلا أنه في العموم حسب الدكتور سامي ذبيان يشير إلى تلك العملية الإعلامية التي تبدأ بمعرفة المخبر الصحافي بمعلومات ذات أهمية، أي معلومات جديرة بالنشر والنقل، ثم تتوالى مراحلها: تجميع المعلومات من مصادرها، نقلها، التعاطي معها وتحريرها، ثم نشرها وإطلاقها أو إرسالها عبر صحيفة أو وكالة أو إذاعة أو محطة تلفزية إلى طرف معني بها ومهتم بوثائقها، هذا مع الأخذ بالاعتبار ما قاله الدكتور محمود سفر بأنه نشر الحقائق والمعلومات الدقيقة الصادقة بهدف التقرير والإقناع.

يعتبر هذا المؤثر الجديد ذو أهمية كبرى تتجلى في نشر الثقافة والحضارة بين الشعوب، حيث لا يخفى على أي شخص الآن الكسكس المغربي ولا يخفى عليه أيضا جلسة الأكل المميزة لدى الصينيين وغيرها من الثقافات والعادات، وقد تلتجئ الحكومات أيضا للإعلام من أجل إيصال وجهة نظرها في مسائل تخص دولها إلى الشعوب، ولا ننسى دور الإعلام في توسيع رقعة المعلومات فبكبسة زر واحدة قد نتعرف على الحضارة الإغريقية والشامية أيضا، وفي كثير من الأحيان تؤخذ وسائل الإعلام كمصدر لرفع المستوى الثقافي للمجتمعات، وأخيرا لا يمكننا التغاضي عن قدرة الإعلام على الترفيه فهو وسيلة جيدة للترويح عن أنفسنا من وقت لآخر .

تحولت وسائل الإعلام من ناقلة للخبر إلى مؤثرة على متلقيه، كلنا نعرف السلسلة الكرتونية” توم وجيري” ولطالما تعاطفنا مع جيري الضعيف واتفقنا على ظلم توم له، لكن في الحقيقة الإعلام هو من جعلنا نظن ذلك، فالإعلام جعلنا نصدق أن توم هو الشرير رغم أنه صاحب البيت بل والمكلف من طرف العائلة بالتخلص من الفئران، إضافة إلى أن هذا العمل يعد وظيفة بيولوجية للقط اتجاه الفأر لكن الإعلام سوق لنا حقيقة أخرى عبر الفكاهة والضحك واللعب.

ويكفي أن نسوق مثالا واحدا للصياغة الإعلامية لمعرفة كيف تُطْبَخُ الأخبار:

«وقوع تفجير مدو وأجهزة البحث الجنائي تجمع الأدلة، والنيابة تتولى التحقيقات لمعرفة الملابسات واكتشاف الجناة»
«وقوع تفجير إرهابي مدوي، وجدير بالذكر أن هذه المنطقة معقل الحركات الإسلامية المتطرفة»
«وقوع تفجير مدوي، ويعتقد أن منفذه الشيخ فلان المحسوب على الجماعات الإسلامية الجهادية» الخبر الأول تمت صياغته بمهنية وحيادية، والثاني أشار للإسلام وارتباطه بالتطرف والإرهاب، والثالث أصدر الأحكام وألصق التهم قبل توفر الأدلة .

لقد قيل ذات يوم عن الذين يدافعون عن أرضهم في العراق أنهم “متمردون”، وتقول إسرائيل عن المقاومين في غزة “إرهابيين” على الرغم من أننا كلنا نعلم أن هؤلاء المتمردين العراقيين يقاتلون العدو الصائل الغازي لأرضهم وعرضهم، بينما الإرهابيون الفلسطينيون يدافعون عن أرضهم ومقدساتهم التي تُنتهك، إنها حرب مصطلحات غالبا ينساق لها الرأي العام دون التفكير فيها بعمق، وهكذا يشكل الإعلام الرأي العام، فقد أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي تتحكم في الأحداث بدل نقلها كما هي وذلك بتضخيمها وجعل الكرة الأرضية تتحدث عنها أو التقليل من أهميتها وتغيير اتجاهها وتقليل نسب التفاعل معها، وهذا بالتأكيد دون معرفة الرأي العام بمجريات هذه المؤامرة، وهذا ما يغير دور تلك الوسيلة من مجرد عرض الحدث إلى الموجه والمسيطر عليه و تشكيل الرأي العام سواء المحلي أو حتى الدولي وحشد التأييد اللازم للهدف المطلوب تحقيقه.

تتبع هذه الوسائل مجموعة من الأساليب للتأثير على المتلقي منها :

استخدام شعارات براقة لتضليل الرأي العام.
الارتباط النفسي مع الجمهور والإقتراب من حدسه العاطفي.
افتعال قصص أو نظريات غير حقيقية أو التلاعب بالحقائق لخدمة مصلحة ما.
بداية النقد من الحيز الضيق للخروج للنطاق للأوسع.
إطلاق بالونات الاختبار لقياس الرأي العام.

يجب أن تعي البشرية خطر الإعلام، فبالوعي والمعرفة والدراسة المُجْدِيَة نتحرر من سيطرة الإعلام على العقول، فقبل قراءة الخبر اطلع على المصدر، وقبل تصديقه شغل عقلك وتفحصه بدقة، ومن ثمة يمكنك بناء رأيك المستقل، خذ الرسالة من الخبر وادرسها واسأل نفسك دائما هل تتماشى مع أفكاري و توجهاتي؟ وستتخلص من تأثير الإعلام على عقلك .

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...