المغرب الأول بصادرات السيارات عربيا

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*ممدوح الولي

 

 

عندما زرت المغرب للمرة الأولى عام 1985 لحضور مؤتمر دولي لمكافحة الجراد فيه فاجأني مندوب الحكومة الذي كان في استقبال الوفود الإعلامية بالمطار بترديد مقاطع من مسرحيات الفنان عادل إمام بنفس طريقة أدائه، وأزال دهشتي حين ذكر أن ربات البيوت هناك يفتحن أجهزة التلفزيون على الأفلام المصرية خلال قيامهن بالطبخ بشكل دائم، مما جعل اللغة العامية المصرية معروفة لدى أغلبية السكان، وهو ما ساعدني خلال تجولي بالأسواق المغربية حيث كانت لهجتي مفهومة لديهم.

هكذا ساهم الفن في التقريب بين الشعوب العربية، وكان الاهتمام العربي الكبير بالطفل المغربي ريان الذي سقط في البئر، وظل فيها 5 أيام في فبراير/شباط الماضي ما بين الدعاء والتعاطف والمتابعة أحد الشواهد الحية للتواصل بين تلك الشعوب.

وجاءت الفرحة العربية الكبيرة لما حققه الفريق المغربي من إنجاز ببطولة كأس العالم لكرة القدم كشاهد آخر، لكنه فيما تحمل الجماهير المغربية علم فلسطين في الملاعب القطرية لتعلن تضامنها مع القضية الفلسطينية تسير الحكومة المغربية في مسار معاكس.

الغريب أن تلك الروابط اللغوية والدينية والإنسانية بين الشعب المغربي والشعوب العربية لم تترجم إلى علاقات اقتصادية بنفس المستوى، حيث تستحوذ الدول الأوروبية على أغلب التجارة السلعية والخدمية المغربية، وكذلك على النصيب الأكبر من السياحة الواصلة للمغرب وتحويلات المغاربة المغتربين لبلدهم.

وبينما بلغ نصيب أوروبا من التجارة السلعية المغربية نسبة 63% فقد بلغ نصيب العرب منها العام الماضي 6.4%، موزعة بين أقل من 3% من الصادرات المغربية وأقل من 9% من الواردات المغربية.

تصدير 358 ألف سيارة العام الماضي
الغريب أن ذلك النصيب العربي من التجارة المغربية يتضمن تجارة المغرب مع دول المغرب العربي الأربع، وهي الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، والتي بلغ نصيبها النسبي من كل من الصادرات والواردات والتجارة المغربية 1.6%.

لكن رغم ذلك وكما يتغنى مشجعو كرة القدم العرب بفريق المغرب حاليا فإن رجال الصناعة العرب يفاخرون منذ فترة بصناعة السيارات المغربية، والتي استطاعت خلال العام الماضي تصدير 358 ألف سيارة مقابل 303 آلاف بالعام الأسبق، واتجهت نسبة 95.5% من تلك السيارات بالعام الماضي إلى السوق الأوروبي، ونسبة 2.6% لأفريقيا، و1.1% إلى آسيا، وأقل من 1% للأميركتين، وداخل السوق الأوروبي اتجهت نسبة 48% من تلك السيارات لفرنسا، و9% إلى كل من إيطاليا وإسبانيا، و6% لألمانيا.

هكذا ساهمت صناعة السيارات وقطع غيارها وصناعة الطائرات والفوسفات والأسمدة والأسلاك والكابلات والمكونات الإلكترونية والملابس الجاهزة والملابس الداخلية بالإضافة إلى الأسماك والخضروات الطازجة والمجمدة -خاصة الطماطم والموالح والفاكهة والفراولة والتوت- في بلوغ قيمة الصادرات السلعية العام الماضي 36 مليار دولار حسب بيانات منظمة التجارة العالمية، ليحتل المغرب المركز 61 عالميا والمركز الثامن عربيا بالصادرات.

وشملت قائمة الدول العشر الأوائل بالصادرات المغربية إسبانيا، تليها فرنسا فالبرازيل والهند وإيطاليا وإنجلترا والولايات المتحدة وألمانيا وهولندا وتركيا، واستفاد المغرب من وجود اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي منذ عام 2000، وكذلك اتفاقية منطقة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة منذ عام 2006، لكنه لم يستفد بنفس الدرجة من عضويته بمنطقة التجارة الحرة العربية التي دخلت حيز النفاذ عام 2005، وكذلك اتفاقية أغادير للتجارة الحرة التي تجمعه مع كل من مصر وتونس والأردن.

عجز تجاري مزمن بسبب الطاقة
عدم إنتاج المغرب النفط والفحم وتدني نسبة اكتفائه الذاتي من الغاز الطبيعي إلى 10% أديا إلى ثقل فاتورة واردات الطاقة، والتي تزيد خلال سنوات ارتفاع سعر النفط الذي يرتبط به سعر الغاز الطبيعي، الأمر الذي تسبب مع غيره من عوامل في انخفاض نسب الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية وزيت الطعام وتأثير تقلب الظروف المناخية على الإنتاج الزراعي والحاجة للآلات والمعدات والسلع الوسيطة في زيادة قيمة الواردات السلعية، لتفوق قيمة الصادرات خلال السنوات العشرين الماضية بلا انقطاع رغم سعي المغرب لزيادة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء.

ويشير التوزيع النسبي للواردات السلعية بالعام الماضي إلى حصول المنتجات النهائية للتجهيز الصناعي من آلات ومحركات ومضخات وأسلاك وكابلات وأجزاء الطائرات والسيارات والأجهزة الطبية على نسبة 23% من الإجمالي ونفس النسبة للمنتجات النهائية للاستهلاك من أدوية وأقمشة وخيوط ومصنوعات بلاستيكية وأجهزة منزلية وعطور وملابس داخلية وأجهزة استقبال.

وبلغ نصيب السلع نصف المصنعة من البلاستيك والمواد الكيميائية والورق والألمنيوم الخام والخشب 22%، والوقود من مشتقات وغاز طبيعي وفحم 14%، والمنتجات الغذائية من قمح وذرة وسكر وأعلاف وشاي وتمور 11%.

وتضمنت قائمة الدول العشر الكبار بالواردات السلعية إسبانيا، تليها الصين وفرنسا والولايات المتحدة، وبالمركز الخامس تركيا تليها إيطاليا وألمانيا والهند وهولندا والبرازيل، ورغم العجز التجاري المزمن فإن المغرب حقق فائضا تجاريا العام الماضي مع كل من فرنسا والبرازيل والمكسيك وهولندا، إلى جانب عدد من الدول الأفريقية.

فائض خدمي مستمر بسبب السياحة
إذا كان المغرب يعاني من العجز التجاري السلعي المزمن فإنه يحقق فائضا مستمرا بالتجارة الخدمية نظرا لما تحققه له السياحة من عوائد، إلى جانب عدد من الخدمات، مثل خدمات البناء والاتصالات والمعلومات والخدمات الثقافية رغم العجز في خدمات النقل البحري، وتساهم السياحة بالنصيب الأكبر من ذلك الفائض، إلا أن عدد السياح الذي تأثر بتداعيات فيروس كورونا لم يعد بعد إلى مستواه قبل كورونا.

بلغ عدد السياح الأجانب خلال العام الماضي مليونا و284 ألف سائح مقابل 1.4 مليون بالعام الأسبق (عام كورونا)، فيما كان العدد قبل كورونا أكثر من 7 ملايين سائح، والعام الماضي استحوذت الدول الأوروبية على نسبة 75% من عدد السياح، والدول العربية متضمنة دول المغرب العربي على 9.5%، ودول أميركا الشمالية أقل من 7%، وبقية مناطق العالم 9%.

واستحوذت فرنسا وحدها على نسبة 39% من إجمالي عدد السياح، تليها إسبانيا 8% والولايات المتحدة 5% وكل من إنجلترا وإيطاليا بنسبة 4% لكل منهما، وبلغ متوسط مدة بقاء السائح 2.2 ليلة سياحية، وتضيف البيانات المغربية للسياحة أعداد المغاربة المقيمين بالخارج الواصلين والذين بلغ عددهم العام الماضي 2.4 مليون شخص مقابل حوالي 6 ملايين مغربي قبل عام كورونا.

لكن الفائض الخدمي عادة ما يقل عن العجز في الميزان التجاري السلعي، مما يؤدى إلى عجز مستمر بميزان السلع والخدمات يضاف إليه عجز في ميزان الدخل الذي يقيس الفرق بين عوائد الاستثمار بالداخل والخارج، والذي لم تفلح تحويلات المغاربة العاملين بالخارج رغم زيادتها وكذلك ما حصل عليه المغرب من معونات دولية في تغطيته، مما يؤدي عادة إلى عجز بميزان المعاملات الجارية، وهو العجز الذي يتوقع صندوق النقد الدولي استمراره خلال السنوات المقبلة.

انخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي
احتل المغرب العام الماضي المركز الـ58 بين اقتصاديات العالم حسب قيمة الناتج المحلي الإجمالي البالغة 133 مليار دولار، فيما يحتل بسكانه البالغ عددهم 37 مليون نسمه المركز الأربعين بين سكان العالم، لكن نصيب الفرد من الدخل القومي بلغ 3350 دولارا فقط، مما أدى إلى احتلاله المركز 135 بين دول العالم بعيدا عن المتوسط العالمي البالغ 11 ألف دولار للفرد.

وهذا بدوره يشير إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية داخلية مزمنة، أبرزها ارتفاع نسبة الأمية، والتي تصل إلى 26% وتزيد على ذلك بين النساء، وانتشار الفساد وارتفاع مستويات الفقر، وبلوغ نسبة البطالة العام الماضي 12.3%، والتي ترتفع بين النساء إلى 16.8%، وترتفع نسبتها بين الشباب في سن ما بين 15و24 سنة إلى حوالي 47%، وتتفاوت النسبة بين الأقاليم المغربية حيث بلغت 20% في الجهات الجنوبية و18% بالجهات الشرقية، فيما بلغت في مراكش أقل من 8%.

ويبلغ عدد العاطلين عن العمل 1.5 مليون شخص، منهم 1.3 مليون في الحضر و237 ألفا بالريف، ولذلك تبلغ نسبة البطالة في الحضر 16.9% وبالريف 5%، فيما بين المشتغلين تنخفض نسبة المنضمين لأنظمة التقاعد إلى 24%، وتصل نسبة هؤلاء 37% في الحضر و7% بالريف، مما يشير لحاجة النظام التقاعد إلى إصلاح.

وفي نظام التعليم، تتسع الفجوة بين المدارس العمومية والخاصة من جهة والمدارس بالمناطق الحضرية والقروية من جهة أخرى، إلى جانب استمرار مشكلة التعاقد منذ عام 2016، وهي أمور يصعب علاجها بالأجل القصير في ضوء العجز المزمن بالموازنة الحكومية، والذي بلغت نسبته بالعام الماضي 5.9% ويتوقع بلوغه بالعام الحالي 5.3%، كما توقع صندوق النقد الدولي استمرار ذلك العجز حتى عام 2027 على أقل تقدير.

وفي منتصف العام الحالي بلغت الديون الخارجية 64 مليار دولار، فيما تقل قيمة الاحتياطيات من النقد الأجنبي عن نصف تلك الديون، وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على أسعار الطاقة والغذاء لتزيد فاتورة الواردات المغربية، كما رفعت معدلات التضخم، وهو ما تزامن مع ظروف مناخية غير مواتية للقطاع الزراعي بالعام الحالي، الأمر الذي أدى إلى توقع صندوق النقد الدولي تراجع معدل النمو الاقتصادي بالعام الحالي إلى 0.8% مقابل نسبة نمو بلغت 7.9% العام الماضي.

*خبير اقتصادي


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...