تسوية السودان وخلافات العسكر

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

عبد الحميد عوض

 

 

قبل أشهر قليلة من الانقلاب العسكري في السودان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وقعت خلافات عميقة بين قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الانتقالي الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه في المجلس قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) كادت أن تصل لمرحلة المواجهة المباشرة بين الجيش والدعم السريع.

في ذلك الوقت، استشعر المدنيون في مجلس السيادة، ومعهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، خطر ذلك الخلاف على مستقبل التحول الديمقراطي خصوصاً، وعلى مستقبل السودان بصفة عامة، وقرروا تشكيل لجنة وساطة برئاسة حمدوك، نجحت بأيام قليلة في جمع البرهان وحميدتي والصلح بينهما والتصافي ونسيان الماضي وفتح صفحات جديدة.

يخبرني محدثي، وهو أحد الذين شاركوا في الوساطة، بأن المدنيين وبمجرد خروجهم من جلسة الصلح بمنزل حمدوك، جمعهم في الشارع العام السياسي العتيق رئيس حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحد أعضاء لجنة الوساطة، علي الريح السنهوري، وهو يحمد الله لنجاحهم في المهمة لأن الخلاف بين العسكر كانت نتائجه ستقع على كل السودانيين، لكن السنهوري أبلغهم بلا تردد بأن نتيجة ذلك التصافي ستكون وبالاً على المدنيين والتحول المدني والسلطة الانتقالية وربما عليهم أيضاً في لجنة الوساطة، وهو ما كان، فبعد أسابيع قليلة من الصلح، نفذ البرهان وحميدتي انقلابهما العسكري على المدنيين وانفردا بالسلطة في البلاد.

بعد تنفيذ الانقلاب ومُضي أشهر قليلة، اندفع البرهان وحميدتي مرة أخرى نحو التسوية مع المدنيين وقد يكون لديهما أكثر من دافع، لكن من المؤكد أن تجدد الخلافات بينهما هو واحد من أهم الدوافع نحو التسوية، خصوصاً أن كل واحد منهما لم يتخلَّ عن طموحه وحلمه الاستراتيجي في السلطة ولن يسمح للآخر بالتقدم في ذلك السباق.

تجلت الخلافات بين البرهان وحميدتي في نسخة ما بعد الانقلاب في إعلان الأخير الباكر فشل انقلاب 25 أكتوبر وحديثه المستمر عن عودة سيطرة النظام القديم وتواصله مع قوى إعلان الحرية والتغيير لخطب وُدها والتحول في لهجة خطابه السياسي بحيث بات أقرب لخطابات الثورة. كذلك تبرعه بالكشف عن تحركات على الحدود الغربية للإطاحة بالنظام في أفريقيا الوسطى، ما فُهم منه أن المقصود بالاتهام الجيش، ما اضطر البرهان للرد عليه لاحقاً في خطاب أظهر حجم التناقضات الداخلية داخل الصف الانقلابي.

إذا سلمنا بأن الخلافات بين الرجلين هي التي تحركهما نحو التسوية السياسية، فإنه لا مأمن منهما مطلقاً متى ما زالت ظروف خلافاتهما بحيث يمكنهما في أي لحظة الانقضاض مرة أخرى على الحكومة المدنية المتوقع تشكيلها باكتمال الاتفاق النهائي بين المدنيين والعسكر، وهذه نقطة تذكير للقوى السياسية المتحمسة نحو التسوية السياسية والتي تحتاج لمضاعفة ضمانات استدامة أي تغيير تحدثه العملية السياسية الراهنة.


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...