الإنذار المبكر للزلازل.. حتمية غائبة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

*ممدوح الولي

 

 

في السادس من الشهر الحالي أشار بيان لمجلس الوزراء المصري إلى تكليف رئيس المجلس مصطفى مدبولي لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء بإجراء مشروع بحثي لصياغة السيناريوهات وبدائل السياسات اللازمة لتعامل الاقتصاد المصري مع الوضع العالمي خلال عامي 2023 و2024؛ بعد إعلان رئيس الوزراء توقعه لاستمرار الحرب الروسية الأوكرانية العام الحالي وربما العام المقبل أيضا.

أعقب ذلك قيام مركز المعلومات بتحديد 15 موضوعا لمناقشتها من قبل الخبراء والمختصين، ورفع التوصيات بشكل فوري عقب انتهاء كل جلسة إلى رئيس الوزراء، وحتى الآن عقدت 5 جلسات حول آفاق النمو الاقتصادي وتحديات أمن الطاقة وتحديات الأمن الغذائي ومستقبل سلاسل الإمداد وأثرها على مصر واتجاهات قطاع الزراعة.

قال رئيس مركز المعلومات إن هذه الجلسات تهدف إلى استشراف المستقبل ورسم السياسات وتقديم بدائل الحلول من خلال آراء ومقترحات الخبراء كأفضل الأساليب وأقصرها وقتا للوصول إلى رسم التصورات والاتجاهات المستقبلية.

أصابتني الدهشة حين قرأت عن تكليف رئيس الوزراء الذي يعني أنه كان يعمل من دون تصورات مستقبلية موضوعة له من قبل الخبراء للتعامل مع المتغيرات العالمية رغم تكرار المشاكل الدولية من وباء كورونا، إلى أزمة سلاسل الإمداد العالمي، وارتفاع التضخم عالميا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع الفائدة في البنوك المركزية بالعالم.

ارتباك حكومي في مواجهة ارتفاع الأسعار
حضرت في شهر يوليو/تموز 2000 ندوة بمركز معلومات مجلس الوزراء لعمل نظام إنذار مبكر ضد الصدمات الاقتصادية وتم بعده تكليف فريق بحثي يشرف عليه الاقتصادي الراحل الدكتور محمود عبد الفضيل لإنجاز المهمة، وبعد مرور عام وفي نهاية يوليو/تموز 2001 حضر الفريق البحثي للإعلان عن التوصل إلى نظام للإنذار المبكر للقطاع المالي المصري في ندوة حضرها رئيس الوزراء حينذاك الدكتور عاطف عبيد وتم الإعلان عن ورش مكملة لنظام الإنذار المبكر حول عدد من القضايا الاقتصادية داخل مركز المعلومات.

ولهذا تصورت أن هذا النظام للإنذار المبكر الذي تبنّاه المركز وقتئذ ما زال يمارس نشاطه، إلى جانب أن رئيس الوزراء شريف إسماعيل قد شكّل لجنة قومية لإدارة الأزمات والكوارث والحد من المخاطر بمجلس الوزراء في ديسمبر/كانون الأول 2016، وهي اللجنة التي يرأسها رئيس مركز معلومات مجلس الوزراء وتضم 80 جهة ما بين الوزارات والمحافظات وجهات أخرى حكومية وأهلية والتي عقدت اجتماعها الأول في يوليو/تموز 2017 وشهد اجتماعها الذي حضره رئيس الوزراء إطلاق الإستراتيجية الوطنية لإدارة الأزمات والكوارث.

لكنني كنت واهما وكان يجب أن ألاحظ الارتباك الذي تعيشه الحكومة مع كل أزمة داخلية أو خارجية والذي يعني سيرها بدون وضع سيناريوهات مسبقة للمشاكل، ومن ذلك قرارها بتحديد سعر الأرز الذي تسبّب في اختفاء الأرز من الأسواق وارتفاع سعره، وإصرارها على القرار لبضعة أشهر حتى اضطرت أخيرا إلى إلغاء القرار، بعد استفحال مشكلة نقص الأرز وزيادة سعره إلى مستويات غير مسبوقة دفعتها إلى الإعلان عن اللجوء إلى استيراده رغم كفاية الإنتاج المحلي للاستهلاك ومنع تصديره.

وتكرر الارتباك مع ارتفاع أسعار السلع عقب خفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، رغم أن السيناريو نفسه سبق حدوثه مع تعويم عام 2016. كذلك الحديث عن اللجوء إلى نظام الأسعار الاسترشادية عدة مرات دون تنفيذ وهو ما كان أيضا مع الحديث عن طرح خبز خارج البطاقات التموينية وتحديد أكثر من موعد للطرح والذي لم يتحقق أيضا حتى الآن.

مخاوف توقع حدوث زلزال بمصر
كنت أتصور أنه حتى لو وُجدت وحدة لإدارة الأزمات بمركز معلومات مجلس الوزراء أن تكون هناك استعانة بمركز دعم القرار والدراسات المستقبلية في كلية الحاسبات بجامعة القاهرة، الذي يعمل في مجال الإنذار المبكر بالمجالات الإدارية والاقتصادية والإنتاجية أو بوحدة إدارة الأزمات بكلية التجارة في جامعة عين شمس أو باللجنة القومية للأزمات بأكاديمية البحث العلمي أو غيرها من الجهات التي تعمل في مجال إدارة الأزمات.

ربما يقول البعض أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي، لكن الأسلوب الذي تدار به جلسات الحوار للتوصل إلى حلول مستقبلية لا ينمّ عن تعامل علمي مع قضية الإنذار المبكر الذي يتطلب تحديد المشاكل والأزمات وتحديد السيناريوهات المختلفة للتعامل معها عند حدوثها من قبل متخصصين، وما يحدث مجرد اقتراحات متناثرة ولا يوجد ضمان لشمولها لكل جوانب القضية المثارة، إلى جانب استضافة أعضاء بالبرلمان وبمجلس الشيوخ ومن الأحزاب الموالية ومسؤولين بالوزارات ممن حوّلوا الحوار إلى دفاع عن السياسات الحكومية رغم إخفاقها.

هنا تزداد مخاوفي من تحقق توقعات الباحث الهولندي المتخصص بالزلازل فرانك هو غيربيتس الذي توقع حدوث زلزال تركيا قبل وقوعه بـ3 أيام وحدد مكانه، فقد توقع أيضًا حدوث زلزال كبير في لبنان وربما مصر لكنه لا يعرف متى سيحدث. فعلى حد قوله، ربما يحدث خلال أسابيع أو خلال سنوات. رد رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر عليه بعدم توقع حدوث زلازل بمصر وأكد قدرة الدولة على التعامل مع أي أزمات أو طوارئ محتملة.

هذا يجعلني أتذكر أنه في سبتمبر/أيلول 1990 استضافت مصر المؤتمر الدولي لإدارة الكوارث الذي يعقد كل عامين في إحدى الدول ويستمر 4 أيام، والذي كشف عن وجود خطة مصرية لمجابهة ومنع وإدارة الكوارث منذ مارس/آذار 1988، وتعددت أوراقه المقدمة من باحثين مصريين وعرب وأجانب عن أنواع الأزمات كالسيول والجفاف والتصحر والزلازل.

ومن بين أوراق موضوع الزلازل دراسة بعنوان مكامن الخطورة الزلزالية بمصر، رصدت بيانات الزلازل التي حدثت بمصر منذ عام 2200 قبل الميلاد حتى عام 1984، ودراسة أخرى عن الدروس المستفادة من زلزال “كلاماتا” الذي حدث في عام 1986، ودراسة عن مساكن الإيواء العاجل، وحتى دراسة عن تغذية الأطفال أثناء الكوارث، وأخرى عن النواحي النفسية والاجتماعية عند الطفل أثناء الكوارث.

افتقاد الحكومة لقاعدة بيانات عن الخبراء
وبعد عامين من المؤتمر، حدث زلزال أكتوبر/تشرين الأول 1992 بقوة 5.9 درجات على مقياس ريختر، أي بقوة تدمير متوسطة، ومع ذلك أسفر عن 439 وفاة و2036 إصابة وانهيار وتصدع مئات المنازل والمدارس والأبنية الحكومية، ولم أر تطبيقا عمليا للكلام الذي قيل بالمؤتمر من قبل الجهات الحكومية المختلفة، خاصة الدفاع المدني، عن استعدادها لمواجهة الكوارث.

حينئذ جاء التدخل الحكومي بطيئا ومتأخرا، بينما كانت لجنة الإغاثة في نقابة الأطباء بجانب المتضررين بعده مباشرة تقدم لهم المساعدات، وفي يوم الزلزال الذي وقع عصرا كان هناك حفل بفندق سميراميس احتفاء بشركة أجنبية تبيع أجهزة الكمبيوتر، وحضر الحفل رئيس مركز معلومات مجلس الوزراء والذي لم ينصرف إلا بعد انتهاء الحفل بما ينم عن عدم وجود معلومات لديه عن المتضررين من الزلازل بالمحافظات رغم وجود فرع لمركز المعلومات في كل محافظة.

أذكر أيضا عندما كُلّف الدكتور عاطف عبيد بتشكيل الوزارة في أكتوبر/تشرين الأول 1999، اتصل بي الدكتور مختار خطاب الذي أُعلن عن ترشيحه وزيرا لقطاع الأعمال طالبا مني استعارة موسوعة مصرية تضم أسماء الخبراء والشخصيات المصرية المهمة من مكتبة جريدة الأهرام للاستعانة بها في اختيار الوزراء الجدد، فقلت له مدهوشا، خاصة وأن الدكتور عاطف عبيد كان وزيرا للتنمية الإدارية، “وهل الحكومة ليس لديها قاعدة بيانات للخبراء؟!”.

بعد بضع سنوات كان هناك بحث عن وزير للمالية، وطلب مني صديق على صلة بملف التعديل الوزاري البحث عن شخص يصلح للمنصب، وتذكرت أستاذا للمالية العامة بإحدى المحافظات الساحلية كان يحضر المحاضرات التي ألقيها بنقابة التجاريين في تلك المحافظة ويشارك بآراء جيدة، فرشحته له وكانت الوزارة من نصيبه، لأتأكد أن الحكومة ما زالت مفتقدة لقاعدة بيانات عن الخبرات والخبراء المصريين.

وفي أغسطس/آب الماضي جرى تعديل بوزارة مصطفى مدبولي، ورشحوا الدكتور أحمد عيسى الأستاذ بكلية الآثار لمنصب وزير السياحة والآثار، لكن المسؤول عن الاتصالات بالمرشحين اتصل بأحمد عيسى رئيس قطاع التجزئة المصرفية بالبنك التجاري الدولي، والذي تقلد المنصب من دون أي صلة سابقة بمجالي السياحة أو الآثار، لأتأكد مرة أخرى أن الحكومة ما زالت تفتقد لقاعدة بيانات عن الخبراء!

*خبير اقتصادي


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...