انحدار الديموقراطية و حقوق الإنسان في فرنسا

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*د. خالد الشرقاوي السموني  

 

 

بعدما ما كانت دولة فرنسا نموذجا للديموقراطية و حقوق الإنسان و المساواة و الحرية ، أصبحت محل انتقاد في مجلس حقوق الإنسان حتى من قبل الدول التي تعرف انتهاكات حقوق الإنسان .

فخلال مناقشته للتقرير الخاص بوضعية حقوق الإنسان في فرنسا بمجلس حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة بجنيف ، يوم فاتح مايو من هذا العام ، دعا المجلس فرنسا إلى إعادة التفكير في سياساتها الأمنية لحفظ النظام ، وشجب القمع غير المتناسب لمظاهرات “السترات الصفراء” والاستخدام المفرط للقوة ، واعتقال المتظاهرين واحتجازهم بمخافر الشرطة . كما سجل مجلس حقوق الإنسان التراجع في السياسة الفرنسية في مجال الهجرة ، وظروف المعيشة غير الإنسانية للمهاجرين وعدم المساواة التي تعاني منها الأقليات ولا سيما فيما يتعلق بالحصول على الصحة والتعليم ، و قد دعا المجلس فرنسا إلى تكثيف جهودها لمكافحة العنف والتمييز العنصري والكراهية ضد الأجانب بما فيهم المسلمين ، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون في مجال مكافحة الإرهاب، والالتزام بالتدابير الإنسانية فيما يتعلق بترحيل الأطفال غير المرافقين إلى بلدانهم ، وضمان حمايتهم القانونية والدبلوماسية .

فبعد الخلاف السياسي حول إصلاح نظام التقاعد داخل المجتمع والبرلمان الفرنسي وتعنت رئيس الجمهورية لتمرير هذا المشروع ، بطريقة ملتوية ، باللجوء إلى مسطرة إثارة المسؤولية السياسية أمام الجمعية الوطنية بناء على الفصل 43 من الدستور، دون مناقشة نص مشروع القانون ، اختارت السلطة التنفيذية مرة أخرى ، في شخص وزير الداخلية جيرالد دارمانين ، التقدم بمشروع آخر ، يتعلق بالهجرة ، غير متوافق حوله من قبل الفرقاء السياسيين وحتى داخل الأغلبية البرلمانية بناء على استطلاعات الرأي الأولية . و يهدف نص المشروع المثير للجدل إلى تعزيز عمليات الطرد وتعزيز الحصول على تصاريح الإقامة للأجانب الموجودين بالفعل في فرنسا.

مشروع قانون الهجرة ، الذي يدافع عنه وزير الداخلية الفرنسي، لا توجد أغلبية للتصويت لصالحه ، و أحدث زوبعة داخل المشهد السياسي و الحقوقي ، دفع بالشارع الفرنسي إلى تنظيم مظاهرات حاشدة في عدد من المدن الفرنسية ضد المشروع ، الذي ينتهك حقوق المهاجرين المضمونة بمقتضيات القانون الدولي الانساني و المعاهدات الدولية . فقد تظاهر آلاف الفرنسيين، يوم السبت 29 ابريل ، في باريس ومدن أخرى ضد قانون الهجرة الذي تقدم به وزير الداخلية جيرالد دارمانين ، باعتباره قانونا عنصريا . كما تظاهروا أيضا ضد عملية “ووامبوشو” الأمنية “Wuambushu” في مايوت Mayotte التي ترمي إلى طرد المهاجرين غير الشرعيين ، ومعظمهم من جزر القمر .

للإشارة ، فإن عدم التوافق حول مشروع قانون الهجرة من قبل السياسيين، دفع الحكومة إلى تأجيل مناقشته حتى الدخول البرلماني خلال خريف هذا العام . ويبدو أن رئيس الجمهورية مصمم لاعتماد هذا المشروع تحت ضغط اليمين المتطرف، مما قد يفتح المجال الى كثير من الاحتقان الاجتماعي وردود الأفعال السياسية المتشنجة ، ومن شأن ذلك أن يزيد من اتساع الهوة بين السياسيين و إشعال فتيل الاحتجاجات في الشهور القادمة .

إن الديمقراطية التي كانت تعد أساسا لإدارة الحكم والسياسة في فرنسا ونموذجا مثاليا في العالم يحتدى به من قبل الدول الفرنكوفونية ، بدأت تشهد انحدارا قد يهدد السلم الاجتماعي في البلاد ويفقد ثقة الشعب الفرنسي في المؤسسات الدستورية و السياسية ، و قد يفتح المجال أكثر للشعبوية السياسية .

*مدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...