بقلم: د. إدريس أوهنا
جرت العادة أن يقال عن الموصوف بمظاهر التدين، المقبل على شعائره من صلاة وصيام وذكر … أنه “ملتزم”.
وأنا شخصيا كنت أظن الأمر كذلك، إلى أن تأكد لي بعد فقه واقع عدد من (الملتزمين)، وعرضه على مبادئ الإسلام وقيمه، أن الأمر ليس كذلك إطلاقا.
وجدت بعد تأمل وعمق نظر أن كثيرا من (الملتزمين) ليسوا ملتزمين حقا بمبادئ الإسلام وتعاليمه وقيمه، بقدر ما هم محكومون بموروث ثقافي عرفي فاسد بائد، ملتزمون بأغلاله وآصاره !!
أخذوا من الدين قشوره ورسومه وأشكاله، ومن البيئة الثقافية التي نشؤوا فيها جوهرها وروحها ولبها.
من ذلك أنك تجد من يسمى ب “الملتزم” يتعامل مع زوجته وعياله بعنف وغلظة، وبخل وشدة، مسكونا بعقلية “ذكورية” تتوهم “الرجولة” و”المكانة” في ممارسة “السلطة” و”التحكم”، ويزكي ذلك وينميه “الوسط العائلي”؛ بحيث يلقى هذا المتسلط -وعلى من؟؟ على زوجه وعياله- التقدير والتبجيل بشكل مباشر أو غير مباشر من أمه وأخته وعشيرته. ولو سبح ضد التيار، وكسر تلك القيود والآصار، لعد “مغلوبا” “ضعيفا” لا قيمة له ولا وزن !! لذلك قد يستيقظ فيه الضمير الإنساني أو الوازع الديني على غير العادة فيحسن معاملة زوجه وأبنائه بشرط أن يكون أفراد عائلته غائبين غير حاضرين، وسرعان ما تعود حليمة لعادتها القديمة، فيعود لينفق من معين الموروث الثقافي البائد ومستنقع العرف الفاسد، مخلفا وراء سلوكه ذاك ركاما من المظالم والخسائر النفسية قبل المادية، التي سيحاسب عليها غدا يوم القيامة، وقد لا يلقي لها بالا، مغترا بصلاته، والتزامه الشكلي القشوري !!
ولذلك أوصى من لا ينطق عن الهوى بضرورة الاهتمام بتوفر شرط “الخلق” إلى جانب “الدين” في الزوج، وإن كان “الخلق” جزءا من الدين ومشمولا بمفهومه الواسع؛ حتى لا يختزل الدين في المظاهر والشعائر بعيدا عن الأخلاق والشمائل.
لهؤلاء الذين يصدرون عن الدين في المظاهر والشعائر، ويصدرون عن الموروث الثقافي والعرفي الفاسد في المعاملة والسلوك، أقول:
– ألا تخشون على أنفسكم من الإفلاس يوم الحساب؟
– ألا تخشون أن يزج بكم ديوان المظالم في سقر، وأنتم تظنون أنكم تحسنون صنعا بمجرد التزامكم بالمظاهر وبعض الشعائر؟
– ألا تتقون الله في أزواجكم وأبنائكم وأنفسكم؟
– ألا تراجعون أنفسكم، وتتفرغون ولو أحيانا لنقد ذواتكم، وتغيرون ما بأنفسكم، وتتوبون لبارئكم، وتتخلصون من طبائع الاستبداد ومصارع الذكورية والاستعباد؟
– ألا تجددون النطق بالشهادة: “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله” على حقيقتها، وتعملون بمقتضياتها عسى أن تكونوا من الناجين المفلحين؟
إذا لم تفعلوا، فاعلموا أنه سيأتي يوم تجدون فيه أنفسكم منبوذين من أقرب الناس إليكم، من أهلكم وأبنائكم، قد ملأتم قلوبهم بسوء معاملتكم لهم بالحقد والكراهية، وتسببتم لهم في اضطرابات وعاهات نفسية قد تستمر معهم طوال حياتهم، وربما ورثوها لأصلابهم، فيكون عليكم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة!!
ألا فاتقوا الله في “دينكم ” أولا؛ فإنكم تسيئون إليه وقد تتوهمون لجهلكم وسيطرة الموروث الثقافي عليكم أنكم تحسنون صنعا !!
ألا فاتقوا الله في “أنفسكم” فقد تفضوا بها إلى عذاب شديد، سطرتم حججه عليكم في ديوان المظالم بما كسبت أيديكم، {وما ربك بظلام للعبيد}.
ألا فاتقوا الله في “الميثاق الغليظ” وفي “آية الله” وفي “وصية رسول الله” صلى الله عليه وسلم، وأحسنوا معاملة “أزواجكم” تعبدا وتقربا، ومودة ورحمة وإحسانا.
ألا فاتقوا الله في “أبنائكم”، وأعينوهم على بركم، ولا تكونوا سببا في نفورهم وبعدهم عنكم.
إن “المفلس” فعلا من يخسر في الدنيا أهله وعياله، بسوء فعاله وخشين طباعه، وقد يخسر في الآخرة رضوان ربه بسبب ظلمه وعدوانه !!
وإن “الملتزم” حقا من التزم في سلوكه وعمله بمبادئ وقيم دينه، وتحرر من مخلفات الوسط الموبوء الذي نشأ فيه؛ فلا يظلم، ولا يحقر، ولا يبخل، ولا يجهل على غيره، فما بالك أن يفعل ذلك مع أهله وعياله، ولربما وجدته -وغالبا ما يكون- مع زملائه وأصحابه في غاية الظرافة واللين وحسن المعاشرة .. يا للمفارقة‼️





