“غزة” تقود الأمة العربية والإسلامية إلى التقدم والرقي.

إيطاليا تلغراف

 

 

 

بقلم: د. إدريس أوهنا

 

 

 

بعد السابع من أكتوبر كان العالم كله أمام مشهد واقعي جلي؛ في جانب منه قوة عسكرية غربية هائلة ومتطورة، وفي جانبه الآخر مقاومة محدودة العدد والعتاد، محاصرة من كل الجهات !!
وقد شاء الله تعالى أن يكون المشهد بهذه المفارقة الصارخة، التي لا تخطئها عين في الشرق ولا في الغرب، حتى تصل رسالة السماء إلى أهل الأرض،كفارا ومسلمين، أن العامل الأقوى تأثيرا في معادلة صمود الفلسطينيين وأدائهم وثباتهم وعدم انكسارهم أمام وحشية الغرب وفاشيته التي فاقت كل الحدود هو عامل القوة الروحية الإيمانية.
هذه القوة الدينية الروحية عندما تغلغلت في قلوب الغزاويين، تربية وتنشئة بوسائلها المتنوعة بين المقالية والحالية، والعلمية والعملية، ودخلت أحداث التاريخ، صنعت العجب العجاب، في حيز جغرافي ضيق، مكشوف ومحاصر.
وبناء عليه ف”إننا لكي نتوصل إلى التركيب الضروري حلا للمشكلة الإسلامية، أعني مزج الإنسان والتراب والوقت، يجب أن يتوافر لدينا مؤثر الدين الذي يغير النفس الإسلامية” – شروط النهضة، لمالك بن نبي، ص65-.

لابد من استثمار المعجزة الغزاوية لدفع النفس الإنسانية عامة، والنفس المسلمة خاصة إلى أعماق الإيمان من جديد، إلى جوهر الدين الذي يغير ما بالأنفس؛ ليغير بالأنفس التاريخ.
إن ما وقع في غزة، وما سطره أهلها من بطولات وإنجازات بمداد من فخر، ليذكرنا بعهد الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا أقل عدة وعددا في مواجهة عدوان الكفار، ومع ذلك استطاعوا بقوتهم الإيمانية الروحية الصمود والثبات والانتصار، ولم يكن إنجازهم في مختلف مناحي العمران الحضاري بأقل من إنجازهم في ساحات الوغى، ولم يكن جهادهم المدني بأدنى من جهادهم العسكري، بل بذلوا وتميزوا فيهما معا؛ لأن الدافع واحد وهو المبدأ الذي يحدوهم، والإيمان الذي يحركهم، وولاؤهم لله ورسوله، وابتغاؤهم لنيل الرضوان والفوز بالجنان.
فمتى سارت الأمة اليوم على هذا النهج، ولم تصرفها عنه سياسة ولا اقتصاد، بل انصرفت إليه داعنة السياسة والاقتصاد، تابعة غير متبوعة، محكومة بمبادئه وأخلاقه وغاياته ومقاصده، تحقق لها التقدم المنشود، والعز المفقود، والرقي الحضاري المرغوب.

ولا يغرنك فوز عابر في الانتخابات، أو كلام مرصع في المهرجانات، أو تنظير مجرد في الكتب والمؤتمرات، أو تجويد رائع لكريم الآيات، ما لم تتحول الفكرة الدينية، إلى عقيدة راسخة، وقوة معنوية متجذرة، تعبر عن نفسها ثباتا على الحق وصبرا على الالتزام به، في أحداث التاريخ ودروب الابتلاء الواقعي.
إنه الطريق لصناعة الرجال -ذكورا وإناثا- الذين بهم تصنع الأمجاد، ويدفع العدوان، ويشيد العمران، وتسترد الأمة سيادتها وريادتها وسؤددها وعزتها؛ فيشع نورها الحضاري من جديد لينير دروب الإنسانية الغارقة في ظلمات الوهم والظلم !!

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...