أنقرة تتجه نحو صفقة تركية-أمريكية كبرى: تحديث للأسطول الجوي وتعزيز للصناعات الدفاعية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

 

 

بينما تتهيأ أنقرة وواشنطن لعقد قمة ثنائية رفيعة المستوى في البيت الأبيض نهاية سبتمبر الجاري، تتجه الأنظار إلى مفاوضات معقّدة تحمل في طيّاتها رهانات سياسية وتجارية وعسكرية كبرى. تركيا، التي تخوض منذ سنوات مساعي متوازنة بين تنويع مصادر تسليحها وتعزيز قدراتها التصنيعية، تبحث الآن عن صفقة طيران ضخمة مع الولايات المتحدة، تشمل طائرات نقل ومقاتلات حديثة، إلى جانب مشاريع تصنيع مشترك تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار.

اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب قد يفتح الباب أمام إبرام صفقات واسعة تشمل شراء عشرات الطائرات من طراز F-16 Viper، وربما التوصل إلى تفاهمات جديدة بشأن العودة إلى برنامج المقاتلات المتطورة F-35، والذي كانت أنقرة شريكًا فيه قبل تعليق مشاركتها إثر خلافات سياسية وأمنية مع واشنطن عام 2019.

المحادثات لا تقتصر على الشراء، بل تشمل أيضًا آفاق التعاون الصناعي، حيث تطمح تركيا إلى استعادة مكانتها كمورد أساسي لقطع غيار طائرات F-35، خاصة في ظل امتلاكها قاعدة تصنيعية متقدمة تمثلت في شركات مثل “الصناعات الجوية والفضائية التركية”، التي كانت تنتج أجزاء حيوية من الطائرة.

العقبة الأبرز التي ما زالت تلقي بظلالها على العلاقات الدفاعية بين أنقرة وواشنطن هي ملف منظومة الدفاع الروسية S-400، التي حصلت عليها تركيا رغم التحذيرات الأمريكية. الخطوة أدت إلى تجميد تسليم الطائرات الشبحية F-35، وإقصاء الشركات التركية من سلسلة التوريد الخاصة بها.

ورغم ذلك، تبدي أنقرة تصميمًا على تجاوز هذه المرحلة، وتراهن على إعادة الحوار السياسي لتقريب وجهات النظر، لا سيما أن الإدارة الأمريكية الحالية تبدو أكثر انفتاحًا على استئناف التعاون بشرط وجود ترتيبات فنية وأمنية واضحة تضمن عدم تعرض التكنولوجيا الغربية للخطر.

بعيدًا عن صفقات الشراء، يبدو أن الطموح التركي يتعدى مجرد اقتناء الطائرات. تسعى أنقرة للحصول على ترخيص يسمح لها بتجميع محركات الطائرات الحربية الأمريكية، ما يخدم خططها لتطوير مقاتلات محلية مثل KAAN ذات المحركين، ومشروع التدريب الجوي Hürjet، وهما من بين أبرز برامج الصناعات الدفاعية الوطنية.

بعض شركات التكنولوجيا التركية تعمل بالفعل على تطوير حلول برمجية ومكونات إلكترونية تدخل في صناعة الطائرات، وهو ما يمنح تركيا موقعًا فنيًا متقدمًا قد يعزز فرصها في أي شراكة أمريكية مستقبلية، رغم تعقيدات السياسات الأوروبية التي تفرض قيودًا على بعض المواد المستخدمة في التصنيع.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن تفعيل الشراكة مع تركيا من جديد يفتح سوقًا واعدة لمنتجات شركات كبرى مثل لوكهيد مارتن وبوينغ، ويعزز العلاقات العسكرية مع ثاني أكبر أسطول F-16 في العالم بعد القوات الجوية الأمريكية نفسها.

أما لتركيا، فإن التقدم في هذه الملفات يعزز مكانتها في حلف الناتو، ويدعم اقتصادها عبر صفقات التصنيع المحلي ونقل التكنولوجيا، فضلًا عن تحديث أسطولها الجوي في ظل التغيرات الإقليمية السريعة.

يبقى الرهان الأكبر معلّقًا على نتائج الاجتماع المرتقب بين أردوغان وترامب. فنجاح المحادثات قد يُعيد تشكيل جزء كبير من خريطة التعاون الدفاعي بين البلدين، ويمنح تركيا دفعًا جديدًا في مجال التصنيع العسكري.

لكن إذا فشلت المفاوضات، فقد تتجه أنقرة مجددًا نحو خيارات بديلة، تشمل تعزيز شراكاتها الدفاعية مع دول مثل روسيا أو الصين، أو المضي قدمًا في مشاريع الاكتفاء الذاتي رغم كلفتها العالية.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...