بقلم/التجاني بولعوالي
على إثر الحراك الاحتجاجي الذي أطلقته ما يُعرف بحركة Z في الأيام الأخيرة، انقدحت في ذهني مجموعة من الأسئلة التي تتردد بدورها لدى جيلي من المثقفين المغاربة داخل الوطن وخارجه.
كيف تُركت الأوضاع حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، رغم أن أصحاب القرار كانت لديهم الفرصة الكافية منذ حراك 20 فبراير 2011 لتحقيق ما وعدوا به الشعب من مطالب اجتماعية واقتصادية وتنموية؟ وهي المطالب نفسها التي رفعتها الحراكات السابقة، كحراك الريف وجرادة وغيرها، واليوم حراك Z.
ألا يملك المغرب من الإمكانيات ما يكفي لإصلاح القطاعات الحيوية المنهكة، وعلى رأسها الصحة والتعليم والإدارة، بعدما تابعنا كيف تحققت مشاريع رياضية وترفيهية وتكميلية في زمن قياسي وبميزانيات ضخمة، بينما ظلّت المشاريع الاجتماعية الضرورية تراوح مكانها، رغم مرور أكثر من خمس عشرة سنة على التعديلات الدستورية.
ثم لماذا لم ينهج المغرب سياسة واضحة وحازمة لاجتثاث آفة الفساد من جذورها، وهي الإشكالية البنيوية التي تُجمع كل الأطراف، بما فيها القصر، على ضرورة معالجتها؟ بل إنّ صُنّاع الفساد أنفسهم صاروا يرفعون شعار “لا للفساد!”، الشعار ذاته الذي رددته كل الحركات الاحتجاجية منذ بزوغ الربيع المغربي. ومع ذلك، ما زال مفهوم الفساد في المعجم السياسي المغربي غامضا ومطاطا، لا يُدرى ما المقصود به حقا!
لقد كان حراك Z مفاجئا للجميع، حتى لغير المغاربة (من الزملاء البلجيكيين) الذين ظلوا يعتبرون المغرب استثناء بالمقارنة مع باقي الدول العربية والإسلامية. وقد استغرب كثيرون لظهور مثل هذه الحركة الاحتجاجية بينما يشهد المغرب أوراشا اقتصادية كبرى في مختلف المجالات، ويستعد لاحتضان تظاهرات دولية متميزة. وهؤلاء ما زالوا يحاولون فهم حقيقة ما يجري في البلاد.
وأنا أشارك هذه الأيام في مؤتمر دولي بمدينة بريشتينا، عاصمة كوسوفو، حول “دور العلماء والمثقفين المسلمين في أوروبا”، تردد السؤال ذاته على ألسنة العديد من الإخوة الكوسوفيين الذين تعرفت إليهم.
ورغم أنني مواطن أوروبي مسلم منذ ما يقارب ربع قرن، فإنني أظل متمسكًا بأصولي الريفية المغربية، وأفتخر بهذا الرافد الهوياتي المتجذر في ذاتي وذاكرتي. ويملي عليّ هذا الانتماء أن أدافع عن كل ما يمت بصلة إلى وطني المغربي، سواء تعلق الأمر بالتاريخ أو الثقافة أو الوحدة الترابية أو الثوابت الوطنية.
من هذا المنطلق، أرى أن حراك Z يمكن اعتباره حركة احتجاجية صحية، جاءت لتدق ناقوس الخطر وتلفت الانتباه إلى الأخطاء السياسية والتسييرية الجسيمة للحكومة الحالية، وإلى انتهازية بعض الوزراء والمسؤولين، وإلى انحراف المسار السياسي عن مكاسب دستور 2011 ووعوده. وهذا يستدعي إعادة النظر جذريًا في النهج الحكومي الراهن، وتكييف السياسات العمومية مع تطلعات الشعب المغربي ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي.
ولن يتحقق ذلك إلا بالسير في مسارين متوازيين: مسار يوازن بين القطاعين العام والخاص، فلا يهيمن أحدهما على الآخر. ومسار يجعل الاستثمار في الإنسان أولوية على الاستثمار في البنيان، ويقدّم الضروريات على الكماليات.
باختصار، إنّ حراك Z جاء ليقرع جرس الإنذار في وجه حكومة رجال المال والأعمال التي تجاهلت الطبقات الهشة والمقهورة، وتهاونت في التفاعل مع ضحايا الكوارث الطبيعية، وساهمت في تضييق هامش حرية الرأي والتعبير.
وعلى أصحاب القرار اليوم أن يتعاملوا مع هذه الحركة الشبابية بجدية وعقلانية واستبصار، وأن يستثمروا هذا الحراك كفرصة لإجراء تقييم موضوعي للأداء الحكومي في ضوء الوعود الدستورية التي ما زال المغاربة ينتظرون ترجمتها إلى واقع ملموس في قطاعات الصحة والتعليم والإدارة والتنمية الاجتماعية.