إسرائيل و”جمهورية الموز”

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

أنطوان شلحت
كاتب وباحث فلسطيني

 

 

حذّرت مقارباتٌ، قبل أكثر من 20 عاماً من تحوّل إسرائيل إلى “جمهورية موز”، أساساً على خلفية وجود فساد واسع النطاق، وانتشار الرشوة والمحسوبية، وتداخل المال بالسياسة، مع ضعف الشفافية والمساءلة من جهة، وبموازاة مؤسّسات دولة ضعيفة (من برلمان ومنظومة قضاء وأجهزة رقابة شكلية أو خاضعة للسلطة التنفيذية)، من جهة أخرى.
وصدرت إحدى هذه المقاربات في أواخر إبريل/ نيسان 2005 عن الصحافية الإسرائيلية شيلي يحيموفيتش، التي أصبحت لاحقاً عضو كنيست ورئيسة حزب العمل، ورأت أن إسرائيل باتت قاب قوسين أو أدنى من أن تكون دولة تسيطر عليها ميزتان بارزتان من ميّزات “جمهورية الموز”: المستوى المتردّي لنزاهة الحكم، والفجوات الهائلة بين الفقراء والأغنياء. وجاءت رؤيتها في سياق مونولوج “فصحي” (من الفصح العبري) يعبّر عن شكوى حادّة، صافية وصريحة، من أداء وسائل الإعلام الإسرائيلية التي باتت تتماشى (إلى حدّ التماهي أحياناً) مع أصحاب الرساميل في تأييد السياسة الاقتصادية– الاجتماعية التي تنتهجها الحكومة لصالحهم، وتنذر بأن تقضي قضاءً مبرماً على ما وصفتها بأنها “دولة الرفاه”، إلى حدّ تجاهل معاناة ضحايا هذه السياسة من اليهود أنفسهم.
وقبل ذلك، وعلى صلة بمسألة “نزاهة الحكم”، عرض الخبير القضائي الإسرائيلي موشيه نغبي (1949–2018) ما اعتبره “فشلاً ذريعاً لمنظومة أجهزة سيادة القانون (الإسرائيلية) في حماية الديمقراطية من الذين يحاولون تدميرها وتقويضها من الداخل” لغاياتهم المخصوصة، التي ليس أبسطها التغطية على الفساد المستشري في القمة، وذلك في كتاب صدر في خريف 2004 بعنوان “أصبحنا مثل سدوم… في المنزلق من دولة قانون إلى جمهورية موز”. والنتيجة التي خلص إليها نغبي في الكتاب عموماً مفادها أنه “لا نهضة تُرتجى لدولة تخاف سلطاتها من أعداء القانون والديمقراطية، بدل أن يكون سلوكها نقيض ذلك جملة وتفصيلاً”.
وكتب نغبي في تقديم هذا الكتاب (اعتُبر آنذاك غير مسبوق في “المكتبة الإسرائيلية”) ما يلي: “عصابات الإجرام المنظّم تزرع العنف في شوارع إسرائيل، وأذرعها تتغلغل في سلطات النظام الحاكم وتهدّد بأن تمسّ بالديمقراطية من الداخل. قتلة، مغتصبون، أزواج عنيفون وتجّار نساء يتجوّلون بيننا طلقاء بسبب حدب المحاكم. مقاعد لوائح المرشّحين للكنيست تُباع في وضح النهار عدّاً ونقداً، أو بما يوازي النقود، والساسة الذين يشترونها هم الذين يشرّعون قوانيننا… مواطنون عاديون يسامون مرّ العذاب في غياهب السجون والمعتقلات دونما ذنب اقترفوه، بينما يواصل مسؤولون كبار (استغلوا مناصبهم لتحسين وضعيتهم ووضعية المُقرَّبين منهم) جريهم نحو القمة بلا حسيب أو رقيب. القضاء العسكري يمنح حصانةً للقادة الذين أهدروا بإهمالهم الإجرامي حياة جنودهم أو استغلوا جنسياً جنديّاتهم، وأيضاً للقادة الذين ينكّلون بالسكّان الفلسطينيين. الإعلام الباحث عن الحقيقة، اللاسع، يفقد نيوبه ويأخذ مكانه إعلام امتثالي وفاسق. وأفظع من هذا كلّه أن سلطات القانون مشلولة تماماً حيال التحريض والعنف الديني–القومي، اللذين سبق لهما أن أدّيا هنا إلى اغتيال رئيس للحكومة” (في إشارة إلى اغتيال إسحاق رابين عام 1995).
وفيما يختصّ بالفجوات الضخمة بين الفقراء والأغنياء (الميزة الأبرز الثانية لـ”جمهورية الموز”، وفق يحيموفيتش) فقد استُعيد ما سبق أن قاله عالم الاجتماع الإسرائيلي شلومو سبيرسكي، أن ذلك أشبه بصيرورة “ثقافة تطوّر” أو “ثقافة تنمية” اقتصادية– اجتماعية انطلقت من “مبدأ” تكريس هذه الفجوات؛ بداية بين أبناء الطوائف اليهودية المختلفة (أشكناز وشرقيون) وبينهم وبين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، ثم اتسع تطبيق هذا “المبدأ” لاحقاً ليشمل (بعد عام 1967) الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة.
يُستخدم، في الوقت الحالي، مصطلح “جمهورية موز” بتأثير الصدام بين الحكومة والمحكمة العليا، واتهامات الفساد ضدّ مسؤولين كبار، ومحاولات تسييس الشرطة وجهاز القضاء. كما يُستخدم من جانب جهات في الخارج لتوصيف ازدواجية تطبيق القانون، واستمرار الاحتلال، والتمييز البنيوي ضدّ السكّان الفلسطينيين، وتغليب الاعتبارات السياسية على لقانون الدولي.

الدولي.الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...