رمزية العصا نحو بناء الفكر المقاوم

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

الدكتور محمد عوام
باحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة.

 

 

لم يكن يتصور أحد أبدا، ولا يخطر بباله البتة أن يقاوم البطل الشهم يحيى السنوار رحمه الله تعالى بما بقي ينبض من شريان في عروقه، أو من رمق في حياته، بأن يأخذ عصا بجانبه وهو يحاول أن يجهز على مسيرة العدو. كل ذلك له دلالة سيميائية ورمزية عميقة وكبيرة جدا، سيكون لها دلالة كبيرة على الأجيال القادمة، ومعناها أن المقاوم لا يستسلم البتة، وأنه سيظل يقاوم بكل الوسائل المتاحة لديه، ولا يثنيه عن ذلك إلا انفصال روحه عن جسده، وهو تعبير عميق عن مدى تجذر الفكر المقاوم في نفسية أبناء المقاومة، وهو أخطر من السلاح نفسه، إذ السلاح لا يكفي وحده ما لم تكن من ورائه عقيدة راسخة ثابتة.
والتلويح بالعصا من المقاوم السنواري برهان على أن هذه المقااومة المباركة عصية عن التطويع، وأن أعداءها مهما حاولوا النيل منها، أو تثبيط عزيمتها، أو الطمع في ليونتها وتراجعها واستسلامها لن يفلحوا في ذلك، فهي شامخة أبية، عنيدة عصية.
كما أنه إذا قامت القيامة وكانت في يد أحد فسيلة فليزرعها، فكذلك إذا بلغ المجاهد أجله وفي يده أي شيء يلقيه على الأعداء فليفعل، لأنه ليس له خيار، إلا ما هو تحت يده، ولا يترك أعداءه، وهذا فكر مقاوم جديد أسسه الشهيد يحيى السنوار بفعله، بالرغم أن إصابته كانت بالغة وصعبة للغاية.
وفي حمل العصا دلالة -أيضا- على أصالة القضية، لما للعصا من دلالة قوية عند العربي الأصيل، حتى أفرد لها الجاحظ رحمه الله كتابا من مصنفه النفيس الموسوم بـ(البيان والتبيين) وهو (كتاب العصا) رد فيه على التيار الشعوبي، الذي كان مناوئا للعرب، محتقرا لهم، بحملهم العصا، ومما جاء فيه قول الجاحظ: “والدليل على أن أخذ العصا مأخوذ من أصل كريم، ومعدن شريف، ومن المواضع التي لا يعيبها إلا جاهل، ولا يعترض عليها إلا معاند، اتخاذ سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم العصا لخطبته وموعظته، ولمقاماته، وطول صلاته، ولطول التلاوة والانتصاب، فجعلها لتلك الخصال جامعة. قال الله عز وجل وقوله الحق: فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين…

وقد جمع الله لموسى بن عمران عليه السلام في عصاه من البرهانات العظام، والعلامات الجسام، ما عسى أن يفي ذلك بعلامات عدة من المرسلين وجماعة من النبيين. قال الله تبارك وتعالى فيما يذكر من عصاه: إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما إلى قوله تعالى: “ولا يفلح الساحر حيث أتى”.
فلذلك قال الحسن بن هاني في شأن خصيب وأهل مصر حين اضطربوا عليه:
فإن تك من فرعون فيكم بقية … فإن عصا موسى بكف خصيب
ألم تر أن السحرة لم يتكلفوا تغليط الناس والتمويه عليهم إلا بالعصي، ولا عارضهم موسى إلا بعصاه.” (البيان والتبيين).

ولئن كان المقاوم الشهيد يحيى رضي الله عنه قد سطر بعصاه ملامح المعركة من جديد، ليعطي بذلك إشارة لأتباعه وإخوانه على درب الجهاد والنضال، وكافة شعوب الأمة التي تساند وتآزر إخوانهم في معركة الفصل، فإنه لا جرم أن حكام العرب المنبطحين للصهااينة قد جعلوا من العصا دلالة على الرقص والتمايل ذات اليمين وذات الشمال، مما يعكس سياستهم المتخاذلة، التي تتماهى مع السياسة الصهيونية والغربية الأمريكية، وإلا بماذا يفسر هذا الصمت المخزي الذي تشمئز منه النفوس، وهذا التكالب “المكلبن” الذي لا نظير له؟.
ومهما حاول أعداء الأمة والمنافقون والمطبعون من ثني المقاومة وصدها عن مسارها، فإن انطلاقتها انطلقت منذ السابع من أكتوبر سنة 2023، ولا رجعة في ذلك، تاريخ جديد، وعهد جديد، وعصا جديدة، كل ذلك ينبئ بقرب النصر، فهو جهاد نصر أو استشهاد، ولا خيار بعدهما.
ونحن على يقين إن شاء الله من انتصار المقاومة، لأن مقاومة تقدم قادتها في الصف الأول ليكونوا شهداء، لجدير بها أن تحقق مقاصدها، وتصل إلى أقصى غايتها، وإن الله على نصرها لقدير.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...