د.سمير شوقي
أعرف الرجلين بشكل جيد و ذلك منذ حوالي عشرين سنة و بصفة خاصة خلال مسارهما بسلك المحاماة. و توطدت العلاقة بشكل كبير سنة 2008 خلال محاكمة “المساء” و الحُكم عليها بتعويض قدره 600 مليون و ذلك بغرض إغلاقها (وهذه لوحدها قصة يجب أن تُروى يوماً ما). للأمانة التاريخية، تجند الرجلين بوازع حقوقي للدفاع عن الجريدة مجاناً و تخصيص وقت كبير لذلك مع التزام أكبر من طرف الرميد يجب توضيح ذلك و قد أدى رسوماً عدة من جيبه الخاص و رفض التعويض.
من أجل ذلك أنا مدين للرجلين مدى الحياة لأنهما لم يكونا مجبرين على ذلك و لأنهما تنازلا أحياناً حتى على كبريائهما لإجراء اتصالات صلح مع دفاع المُدعي الذي لم يكن سوى محمد زيان. بعد ذلك جرت مياه كثيرة تحت الجسر. صار الرميد وزيراً و وهبي رئيساً لحزب معارض (البام) و تواجه الرجلان ما مرة تحت قبة البرلمان. و كصحفي-رئيس مجموعة إعلامية تسنى لي محاورتهما مع الإبقاء على خط فاصل بين صداقة أساسها جميل أسدياه و احتفظ به و بين مهنية صحفية مُلزِمة.
و بعد أن أخذت مسافة مع الممارسة الصحفية اليومية، صرت أتابع عن بعد المشهد السياسي ولا أغوص فيه لأسباب شخصية. كنت ألاحظ من بين ما ألاحظ مساراً متبايناً بين الرجلين . بين الأستاذ الرميد الذي اختار التخلي عن استوزاره و لكن كان عليه انتظار رحيل الحكومة برمتها ليعلن اعتزاله السياسة، و بين الاستاذ وهبي وهو يدخل السياسة برجليه و يصبح زعيم حزب تم و زيراً للعدل كذلك.
بالطبع لا أحد أن يطلب من و هبي ان يكون نسخة من الرميد ، فلكل منهما خصوصياته و أسلوبه و حتى سلبياته، فلا أحد معصوم من الخطأ. لكن التاريخ سيحتفظ الرميد الوزير سعة صدره أمام نقد جارف و حتى تجريح و تشهير جاء في سياق هجوم على الحزب الذي كان ينتمي إليه. و ما لجأ إلى القضاء و كانت النيابة العامة تحت سلطته. فيما اختار وهبي الهجوم كأسلوب دفاع لثني الصحفيين عن انتقاده، و هنا لا يمكن إلا الإختلاف معه. فالسياسي مفروض فيه تقبله للنقد و حتى تجاوز بعض الأخطاء الإعلامية التي قد تتماهى أحياناً مع القذف، لكن قوة شخصية السياسي تظهر مع التعامل الذكي لاحتواء ذلك.
و هي مناسبة لأناشد الأستاذ وهبي، الرجل الحقوقي الملتزم و المدافع عن الإعلاميين في ردهات المحاكم (وليس الوزير) أن يتراجع على متابعة الصحفيين ( وآخرهم حميد المهداوي) كَرَماً منه، و صوناً لسمعة سترافقه للأبد. بعد بضعة أشهر (أقل من سنتين) سيغادر الوزارة للأبد و سيعود لمكتبه ليختلط مرة أخرى بزملائه في المحاماة بعد احتكاكات عدة معه و سيكون عليه أن يتعامل مع الإعلاميين لكن من موقع آخر. تذكر ذلك أيها الحقوقي.
و اليوم، و أنا أتوصل بمساهمة الأستاذ الرميد بخصوص مشروع إصلاح مدونة المسطرة المدنية التي كثر بخصوصها اللغط، شعرت بسعادة كبيرة لأهمية هذه المساهمة العلمية، كيفاً (نقداً و مقترحات) و كماً (20 صفحة كاملة) و لمبادرته لذك متمنياً أن تكون لوزراء سابقين و سياسيين مثل هاته المبادرات التي صارت نادرة جداً جداً.





