إدريس عدار
لم يكن خالد مشعل، القيادي في حركة حماس، في يوم من الأيام منسجما مع محور المقاومة. وكان يجرها جرا نحو الجهة الأخرى، لكن لم يكن أحد من حلفائه قادرا على تمويل الحركة وتزويدها بالسلاح غير المحور. وبمجرد أن أطلت الحرب في سوريا انضم للمعسكر الآخر. ولم تعد حماس إلا بجهد. اليوم أعلن موقفه بوضوح تام. قال في تصريح صحفي “تحرر سوريا مبشر لنا بتحرير غزة والقدس وكل فلسطين”.
وكانت حركة حماس أعلنت موقفها باكرا، وأصدر بيانا “باركت فيه للشعب السوري نجاحه في تحقيق تطلعاته نحو الحرية والعدالة، داعية كل مكونات المجتمع السوري إلى توحيد الصفوف”.
وأضافت ” إن الشعب السوري الشقيق بكل أطيافه وبوحدته الوطنية وبروح الأخوة والتسامح قادر، بإذن الله، على تجاوز كل التحديات، وعبور هذه المرحلة الدقيقة، بما يحقق لسوريا وشعبها العزيز الخير والتنمية والأمن والاستقرار والازدهار، لتواصل سوريا دورها التاريخي والمحوري في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته لتحقيق أهداف قضيته العادلة، وترسيخ دور سوريا القيادي على مستوى الأمة العربية والإسلامية، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي”.
الحركة لديها تطلع أن يستمر الشعب السوري في لعب دوره التاريخي في دعم القضية الفلسطينية وهذا اعتراف منها بدور سوريا قبل التغيير، وكان الشهيد يحيى السنوار قال ذات خطاب إن سوريا لها الفضل الكبير في القدرات التي وصلت إليها المقاومة. أما مشعل فلا يذهب مذهب التمني فقط ولكن يتحدث بالقطع أن تحرر سوريا مبشر بتحرير غزة وفلسطين والقدس.
بهذين الموقفين تكون حما/س قد أعلنت أنها انتقلت من محور المقاومة إلى محور سوريا الجديدة. لا أحد يمكن أن يعترض على خيارات الحركة. لكن بهذا التوجه يكون محور المقاومة قد تعرض لهزة عنيفة. لا أذهب في طريق من يقول بأنه انتهى ولكن حتما سيدخل مرحلة الكمون إلى حين تبلور صيغة جديدة. لأن أوهام الناس تذهب إلى هزيمة إيران وحزب الله. نعم العقد انفرط بخروج سوريا وحما/س كأكبر حركة مقاومة حاليا. لكن أطراف المحور ما زالت قوية.
ما زال اليمن يمارس دوره الإسنادي لغزة ويقوم بقطع شرايين العدو الاقتصادية ناهيك عن عمليات نوعية بالداخل المحتل. وما زالت إيران قوية. والحشد في كامل جهوزيته. أما الحزب يمكن أن ينتقل من عنوان “أولي البأس” إلى “أولي البأش الشديد” كما وصف قادة جيش ملكة سبأ أنفسهم. إذن حماس اختارت محورا جديدا هو محور “سوريا الجديدة”.
يظهر أن قيادة الحركة صدّقت بأن تركيا وقطر هما المنتصرتان في هذه الجولة. وواقع الحال يقول إنهما أداتين وظيفيتين سيتم التخلي عنهم بسرعة بعد أن يصطدما بمصالح الفاعل الرئيسي وقاعدته المتقدمة، أي أمريكا وإسرائيل. إذا كان مشعل مصدقا للكلام الذي قال فهو يعني أمرين. إما أنه “مسطول” وإما أنه تلقى وعدا بإقامة “سلطة فلسطينية” ولم لا يكون هو رئيسها؟ ولو على ما تبقى من أراض في الضفة التي اقتطع أغلبها الكيان الغاصب لفائدة المستوطنات؟
محور سوريا الجديدة كما هو واضح ليس في حسبانه الصراع مع “إسرائيل”. وما يفخر به مشعل من تحرر للشعب السوري لا يعدو أن يكون رحيل بشار الأسد عن السلطة، ولكن خسرت سوريا سيادتها، وبدل تحرير الجولان، المحتل منذ سنة 1967، تم احتلال جزء آخر من الأراضي السورية وأصبحت قوات العدو على مقربة من دمشق.
تم في المرحلة الانتقالية تفويض تركيا بالدفاع والديبلوماسية، لهذا لم يتم تعيين وزيرين في القطاعين، وهما قطاعا السيادة. تركيا أصبحت بهذا المعنى على احتكاك مع إسرائيل وهنا ينبغي أن يبين أردوغان عن قدراته وتهديداته للكيان، الذي لم يسحب سفيره منه ولم يقطع العلاقات معه، وزعم قطع العلاقات التجارية لكن عمليا ظلت السفن التركية تذهب إلى ميناء وإحداها أصابها اليمنيون.
إذن على من يعول خالد مشعل لما يقول إن تحرر سوريا مبشر على تحرير كل فلسطين؟
في بداية طوفان الأقصى خرج خالد مشعل، وفي تليفزيون معادي لمحور المقاومة، وقال: نشكر حزب الله لكن ما يقوم به غير كاف. أعطى لنفسه حق تقييم مدى وكم وحجم المساهمة التي ينبغي أن يكون عليها الإسناد. لكن لم يطلب من تركيا أن تقوم بالإسناد. ولم يطلب من الثوار، وكانوا حينها متخفيين من أعباء الدولة، الإسناد. فهل كان على علم بالمخطط الذي يقتضي إعادة تدريب الإرهابيين للإطاحة بالمحور، من خلال إسقاط سوريا وخروج حما/س؟ وهل تلقى وعودا؟
في غياب المعطيات لا يمكن معرفة ما يريده خالد مشعل من كلامه، الذي لم ألتبس يوما واحدا في توجهاته، لكن حاليا انضاف إليه موقف حركة حماس ناهيك عن احتفالات بيئتها في غزة، وهو أمر غير مفهوم بشكل نهائي، لأن قادة حماس مثل الشهيد السنوار والضيف يعترفون بدور سوريا على مستوى التسليح، فهل يمكن للحاكم الجديد لسوريا الجديدة أن يضمن للحركة تسليحا؟ وهذا غير ممكن طبعا، أولا، لأنه لم يعد لديه أصلا سلاحا، وثانيا، لأنه ليست له مشكل أصلا مع إسرائيل.
فكيف يكون ما وقع مبشرا لتحرير كل فلسطين؟
لا يمكن فهم التحرير المتحدث عنه على ضوء تحرر سوريا المحتلة اليوم برمتها سوى سلطة فلسطينية شبيهة بسلطة أوسلو، وقد تكون مستبعدة إذا بقي نتنياهو منتفخا.