إدريس عدار
إذا شذّب أبو محمد الجولاني لحيته فلا يعني أنه لم يعد إرهابيا، وإذا دخلت الجماعات المسلحة إلى دمشق لا يعني أنها تخلصت من صفة الإرهاب. وبالتالي فإن أتباع هذه الجماعات لا يخرجون عن نطاق الإرهاب. التحولات التي تعرفها دمشق هي انقلاب في الصورة في إطار لعبة الأمم، لكن قبول العالم أو جزء منه أو بعض الدول بالمجموعات المسلحة التي سيطرة على الدولة لا يعفي من المساءلة. الحكومة حاليا هي حكومة أمر واقع، فقد يتم رفع صفة الإرهابي عن البعض لغايات معينة لكن لا يمكن رفعها بالإجمال.
ولا يمكن لسياسات الدول أن تكون ناسخا لأحكام القضاء، فالجولاني محكوم بالإعدام في العراق من قبل القضاء وهذا لم يمنع رئيس المخابرات العراقي من التواصل معه وزيارة دمشق. وما زالت مصر تنظر في بعض الأسماء المطلوبة لديها.
حسن الكتاني، أحد شيوخ السلفية الجهادية سابقا ورئيس ما يسمى رابطة علماء المغرب العربي التي تأسست عقب الربيع العربي ويوجد عنوانها القانوني باسطنبول، كتب في تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقا) “أما وقد تواصلت وزارة الخارجية المغربية بالحكومة السورية الجديدة فقد أصبح لزاما علينا أن نفتح ملف المغاربة الذين انضموا للثورة السورية وكانوا سببا ورافدا من روافد هذا النصر الذي انتصرته الثورة السورية”.
ما دخل المغاربة في الثورة السورية؟ ما شأنهم؟
فعندما ندافع عن محور المقاو.مة لا نتدخل في شؤون كل بلد وكل تنظيم، ولكن مقياسنا هو مدى قربه أو بعده من القضية الفلسطينية ودعمه للحركات المقاو.مة. ولما دافعنا عن صورة سوريا الأسد فأمام المبالغات التي روج لها الإعلام “الحربي” بطريقة “ضرب الصحون” حتى يتسنى للكيان المؤقت احتلال حوالي 500 كيلومتر من الأراضي السورية، ودمرت كل الترسانة العسكرية للجيش السوري.
ولكل ذلك لا يهمنا من حكومة أمر الواقع بسوريا سوى سكوتها عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، والمذابح المرتكبة بحق الأقليات، لكن في الباقي فالشعب السوري هو الذي يقرر، ولن ينوب عنه أحد.
فالمغاربة الموجودين بسوريا اليوم، وظهر البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، هم في حكم القانون إرهابيون.
ولم يرف جفن للكتاني وهو يتحدث عن “وجود عدد كبير من المغاربة الذين يعملون تحت إدارة الحكومة السورية الجديدة، بعد أن كانت الأخيرة متمركزة في إدلب وانتقلت إلى دمشق”.
الكتاني دعا المسؤولين “إلى تمكين هؤلاء المغاربة من زيارة عائلاتهم والعودة إلى وطنهم إذا رغبوا في ذلك، مشيراً إلى ضرورة معالجة الملفات العالقة بما يتماشى مع المتغيرات الجديدة في المشهد السوري”.
فتواصل وزير الخارجية ناصر بوريطة مع نظيره السوري هذا يهم مؤسسات الدولة، وهي التي تقرر كيف تتعامل مع الملف.
فبعد الثامن من أكتوبر ورحيل بشار الأسد عن الحكم في سوريا ودخول هيئة تحرير الشام إلى دمشق والإمساك بالسلطة، تكون سوريا دخلت منعطفا جديدا، ودخلت المنطقة برمتها في المجهول وأصبحت على كف عفريت، وتداعياتها لن تقف عند الحدود الجغرافية لسوريا، ومن لا يفهم الأمن القومي في بعده الجيوستراتيجي، ويعرف أن الخطر البعيد ينبغي أن تحاربه قبل أن يصبح في البيت، فإنه لا يعرف كيف يدافع عن الوطن جهلا أو عنوة.
تتسارع الأحداث في المنطقة إلى درجة أن الإمساك بمفاصيلها أصبح يتجاوز مراكز الدراسات، لكن لابد من معرفة البوصلة، وبالنسبة إلينا باعتبارنا مغاربة تهمنا تداعيات هذه الحرب، ليست فقط على مستويات الجغرافية السياسية وارتداداتها على المنطقة، ولكن من حيث الظهور العلني لشباب مغاربة تحت راية “الثورة السورية”.
اليوم المنطقة تغلي والقوى الإقليمية والدولية تتسابق للغنيمة أو للتموقع، فإذا كانت إيران الخاسر الأكبر من خلال فقدانها لحليف كبير و”الدولتي” الوحيد في المنطقة، فإن روسيا تبحث عن سلامة قواعدها، بينما الأمريكي هو المستفيد الأول الذي يدير اللعبة بشكل كبير، واستغلت إسرائيل هذه الظرفية لتوسيع جغرافيتها، ولم يعد الحديث عن الجولان المحتل، وقرارات الجامعة العربية كلها تدافع عن القرار الاممي الذي يعتبر الوجود الإسرائيلي في الجولان غير قانوني، ولكن توغلت إسرائيل في سوريا بعشرات الكيلومترات المربعة، ورفعت رابتها على جبل الشيخ، ودمرت كل ما يتعلق بالدفاع السوري، اما تركيا فتبحث عن صمام أمان، لكن لم تحسب حساب الدويلة الكردية التي يمكن أن تقوم في خاصرتها.
في 24 يوليوز الماضي استدعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس السوري السابق بشار الأسد على عجل، وفي الندوة الصحفية حذر بوتين من فوضى عارمة ستعرفها المنطقة.
حتى نكون أكثر وضوحا. هذه الفوضى ستكون لها تداعيات على الجميع بنسب مختلفة. تداعياتها علينا ينبغي أن نحددها. وأهمها هؤلاء الشباب المغاربة، سواء الذين نقلت تصريحاتهم بعض المواقع الالكترونية أو الذين بثوا فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، من داخل المدن السورية، يتباهون بالفتح والتحرير الذي ساهموا فيه.
نذكر، أولا، بالقانون المغربي من خلال التعديلات، التي أدخلت سنة 2014 على القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب، والتي تعاقب كل مغربي يشارك في بؤر التوتر ضمن تشكيلات الجماعات الإرهابية، وهيئة تحرير الشام، التي دخلوا تحت عنوانها إلى المدن السورية ودمشق مصنفة من قبل الأمم المتحدة منظمة إرهابية، وبالتالي من الناحية القانونية هؤلاء متهمون أمام العدالة.
بوضوح وبدون لف ولا دوران: من قاتل في سوريا مع الجماعات الإرهابية يعتبر مشمولا بقانون مكافحة الإرهاب وبتعديلات 2014.
حسن الكتاني في ذمته دماء كثيرة باعتباره أكبر المحرضين على القتال في سوريا. وما قيل عنه يقال عن أبي حفص قبل أن يمر أيضا من صالون الحلاقة. عند اندلاع الأحداث في سوريا كان شيوخ “السلفية الجهادية” خرجوا لتوهم من السجن، وشاركوا في التحريض على القتال في سوريا لهذا قبل أن يدعو الكتاني إلى التعامل مع ملف المغاربة الذين قاتلوا في سوريا عليه أن يبرئ نفسه أولا من الدعاية والدعوة للإرهاب.





