هيثم مناع أو بكاء “المعارضة السورية” المتأخر

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

إدريس عدار

 

 

 

استيقظت “المعارضة السورية” متأخرة لترى الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، قد سيطر على كل شيء في سوريا، وشرع في توزيع الغنائم على المقربين منه. والغريب أن مثقفين كبار عادوا للمطالب التي رفعوها في بداية الأحداث السورية، وكأن ما جرى هو مجرد هيمنة شخصية على الوقائع، دون الإشارة لمن يحرك الملفات من خارج سوريا.
لومانيتي الفرنسية أجرت حوارا مع هيثم منّاع، المعارض السوري والحقوقي، حول سوريا الجديدة ما بعد الثامن من أكتوبر، بدأته بسؤال عن تعليقه على الحوار الذي أجرته قناة العربية مع الإرهابي “أبو محمد الجولاني”، الذي أصبح يعرف بأحمد الشرع، قائد الإدارة العامة الجديدة لسوريا.
كان رد هيثم مناع: “بعيداً عن الملابس وربطات العنق الجديدة، فمن الواضح أنه يتحدث بنفس الطريقة التي يتحدث بها من قام بالانقلاب العسكري، كما فعل ذات مرة في إطار “حكومة الإنقاذ السورية” التي شكلها في إدلب. إن خريطة الطريق المقترحة مثيرة للشفقة: فهو يريد أن ينظم في غضون أيام قليلة مؤتمراً للحوار الوطني يدعو إليه أتباعه وقلة من الآخرين للموافقة على ما قام به بالفعل، ومنحه كل الصلاحيات لعدة سنوات”.

وحسب مناع، فإن وعده بدستور جديد خلال ثلاث سنوات وإجراء انتخابات خلال أربع سنوات لا يوحي إلا بالاستفراد بالحكم.
وأضاف مناع “لم تعد حكومة مؤقتة أو سلطة أمر واقع، بل أصبحت تركز صلاحيات البلاد وممتلكاتها في يد رجل واحد ومجموعة متجانسة من حوله. وقبل 24 ساعة من المقابلة، أصدر مرسومًا أكد فيه تعيين وترقية 49 من قادة هيئة تحرير الشام إلى مناصب رئيسية في الجيش الجديد”.
وأوضح مناع أنه عين على رأس جهاز المخابرات، أنس خطاب، المدرج على قائمة الأمم المتحدة للإرهاب منذ عام 2014. وكان يعمل مع داعش وجبهة النصرة. ويمكنه الآن حل هيئة تحرير الشام، التي أصبحت النواة الصلبة للجيش السوري والمخابرات.
وأهم سؤال طرحته عليه الصحيفة الشيوعية هو إمكانية دمج المعارضة الديمقراطية العلمانية مع مشروع هيئة تحرير الشام، فقال منّاع: “أمامنا اليوم تجربة الخمير الحمر بعلم أسود. بالنسبة للحكومة الحالية، تعتبر تجربة إدلب نموذجًا. ولكنهم هناك، وحتى اليوم، لم يطلقوا سراح أي سجين في المؤسسات الـ11 الخاضعة لسيطرتهم. وحقوق المرأة غير موجودة، ولا تستطيع أي مجموعة سياسية أن تتحرك”.

ويذكر أن تجربة الخمير الحمر عرفتها كمبوديا من سنة 1975 إلى 1979، تاريخ انهيار نظامهم، وهي عبارة عن تشكيلة من المنظمات الشيوعية التي شكلت الحزب الشيوعي لكمبوتشيا الديمقراطية، عرفت عنفا كبيرا قتل خلاله أكثر من مليون ونصف مليون شخص.
وقال مناع إنه عندما تتحدث إلى الجولاني عن الجهاديين الأجانب في المدن السورية، يرد “أنك في أوروبا تحصل على الجنسية بعد خمس سنوات وأن هؤلاء الأشخاص موجودون في سوريا منذ عشر سنوات!”، فيما تجنب بذهاء الحديث عن الوضع المستقبلي للمرأة، ورؤيته الجديدة للعلاقة بين الدولة والدين.
وعن مشروعه المستقبلي قال مناع إنه سيحاول الاجتماع مع حوالي عشر قوى سياسية ديمقراطية ومنظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان والمجتمع المدني معارضة للنظام البعثي، وقد قاموا بتشكيل شبكة، وأطلقوا دعوة لعقد مؤتمر وطني سوري موسع قبل 20 يناير الجاري في جنيف وعقد مؤتمرات عبر الفيديو في المدن السورية الكبرى. سنضع معًا خارطة طريق للعمل المشترك لبناء سوريا تشبه الغالبية العظمى من السوريين.

وهذا الكلام هو نفسه الذي قاله سنة 2012 عندما امتنع عن حضور مؤتمر القاهرة الذي دعت إليه جامعة الدول العربية حيث قال “لا بد من إعطاء الوقت الكافي للجنة تحضيرية مكونة من كل مكونات المعارضة السورية -دون استئصال أو استبعاد لأحد- لعقد مؤتمر يحمل إمكانيات النجاح، فليس لنا الحق في الفشل اليوم، وليس لنا الحق في الاستعجال والسلق”.
وظل مناع غامضا وملتبسا حتى بالنسبة لمن يشتغلون معه، والسؤال المطروح عليه، وهو الذي يبحث اليوم عمن يتوافق معه على الانتقال من معارضة البعث إلى معارضة هيئة تحرير الشام، لماذا رفض دعوة الحكومة السورية في بداية الأحداث للحوار بين السوريين؟ ألم يكن حينها بالإمكان قطع الطريق أمام الإرهابيين؟
مناع لم ينسحب من مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، تحت إشراف سعود الفيصل، إلا بعد أن تيقن أنه لن يكون له صوت كبير، وبعد أن تمت الهيمنة عليه من قبل الجماعات المسلحة. ولم يكن له كبير اعتراض على المسلحين ولكن على الموجودين في لوائح الإرهاب وخصوصا حينها المنتمين لداعش.
الذي يريد أن يبكي عليه أن يبكي باكرا أما وقد هيمن الجولاني على كافة مرافق سوريا فلم يعد أمامهم سوى إعادة التجربة السابقة.
والمهم في حوار هيثم مناع، وهو المعارض الشرس للنظام السابق، أنه يعترف بوجود سجون في إدلب تابعة للجولاني، ما زالت لحد الآن لم تفتح ليطلق سراح من فيها ناهيك عن منح أجانب رتبا عسكرية عليا، لا يمكن الحصول عليها إلا بعد سنين طويلة من العمل العسكري النظامي.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...