تاه في عرض الأطلسي لـ 8 أيام.. قصة شاب مغربي كلفه حلم الوصول إلى أوروبا حياة صديقه

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

عبيد الهراس

 

 

إطار شاحنة مطاطي (Chambre à air)، وزعانف (des palmes)، ومعرفته بالبحر، وصديقه محسن، كانت هذه هي الأدوات “المثالية” التي كان يتصورها أيوب، كافية للوصول إلى جزيرة “فويرتيفنتورا” التابعة لأرخبيل جزر الكناري بالمحيط الأطلسي، سباحة انطلاقا من جنوب المغرب، لكنه لم يكن يعلم أن المطاف سينتهي به أمام كابوس حقيقي، سيكلفه حياة صديقه، وبقائه لـ ثمنانية أيام في تائها قلب المحيط الأطلسي.

حياة الداخلة.. خطوة قبل الكابوس

كان أيوب يمتهن صيد الأسماك بمدينة الداخلة، يعيش على هذه المهنة، قبل أن يتدهور الوضع في قطاع الصيد بالمدينة، حيث بدأت السلطات المغربية بتكثيف المراقبة واتخاذ إجراءات صارمة ضد الصيادين، يقول أيوب: “كانوا يأخذون منا الأسماك، وازداد الوضع الاقتصادي سوءًا”.

أصبح البقاء في مدينة الداخلة بالنسبة لأيوب ضربا من العبث، خصوصا بعد أن أصبح دخله اليومي غير قادر على سد رمق عيشه، ما دفعه للتفكير في الهجرة، لتحسين وضعه المادي، وتحمل أعباء أسرته.

“عبر مضيق جبل طارق”

قبل أن يبدأ رحلته إلى جزر الكناري في عرض الأطلسي، حاول أيوب، قبل ذلك، عبور مضيق جبل طارق عبر البحر الأبيض المتوسط، انطلاقا من مدينة طنجة، نحو إسبانيا باستخدام إطار شاحنة مطاطي، لكن محاولته هاته انتهت في “مهدها” عندما تم اعتراضه في المياه الدولية وإعادته إلى المغرب.

غير أن هذه التجربة “الفاشلة” لم تثنِ أيوب عن المضي نحو تحقيق حلمه، وقرر هذه المرة السفر إلى مدينة الصويرة للقاء صديقه محسن، حيث خططا معا لرحلتهما المقبلة، عبر “طريق الكناري”، إذ قدرا أنها أفضل اختيار للعبور إلى الضفة الأخرى، وجهزا ما يلزم من متطلبات، وانطلقا نحو مدينة”طرفاية” مرفأ رحلتهما الصعبة.

“بين الموت والحياة”

غادر أيوب ومحسن، سواحل طرفاية بين 30 و31 دجنبر 2024، باستخدام “GPS” هاتف محمول، سباحة نحو جزر الكناري، وبعد قطعهما ل 46 كيلومترًا، جرفتهما التيارات، وأعادتهما عشرة كيلومترات إلى الوراء.

يقول أيوب: “كان علينا التوقف للراحة قليلاً، ومع تقدمنا بدأ الخوف يتزايد”، مر رفيقا الرحلة من مشاهد صعبة، حيث مرّت بالقرب منهما حيوانات بحرية ظنا أنها أسماك أوركا ودلافين، ورغم الهلع الذي راودهما إلا أنهما مضيا في طريق حلمهما.

خارت قوى الرفيقين بسبب نقص الطعام والماء وأشعة الشمس الحارقة والبرد والرطوبة في الليل، وبدأ محسن يهذي ويتلفظ بكلمات غير مترابطة، قبل أن يسقط في الماء ويعيده أيوب مرة أخرى على الإطار المطاطي، في محاولة لإسعافه.

“محسن يلفظ أنفاسه”

تدهورت حالة محسن بمرور الوقت، وأخذ التعب منه مأخذه وصار من العصيّ عليه أن يحرك يديه ورجليه، ما دفع أيوب إلى رفعه مجددا على متن الإطار المطاطي، لكن محسن فقد توازنه وسقط مجددا في عرض البحر.

يقول أيوب بأسى عميق “لم أكن أملك القوة لسحبه مرة أخرى من الماء، بدأ يخرج رغوة من فمه ويلفظ أنفاسه الأخيرة، لقد مات بين أحضاني، واضطررت لتركه، لقد كانت قواي خائرة، فكان علي أن أتماسك وأن أكمل الرحلة وحيدا في عرض المحيط”.

“الخلاص”

بينما كان أيوب يكافح للبقاء على قيد الحياة، توجهت سفينة الإنقاذ “سالڤامار إيزار” التي كانت في طريقها لإنقاذ قارب مطاطي يحمل 57 شخصًا، وفي طريقها عثر فريقها على أيوب وهو يطفو خائر القوى على سطح البحر.

كان الشاب يعاني من أعراض انخفاض درجة حرارة الجسم، ولم يكن قد تناول طعاما أو ماء منذ ثلاثة أيام، يقول أيوب “رأيت السفينة وشعرت بفرح عارم، لكن لم تكن لديّ القوة للاستمرار، على الرغم من أنني كنت أراها على مرمى البصر”.

تم نقل أيوب بعد الإنقاذ إلى ميناء “جران تاراجال” حيث تلقى الرعاية الطبية اللازمة حسب صحيفة “إل فارو دي سبتة“، التي قالت إنه نقل إلى مركز استقبال في “بورتو ديل روزاريو” في فويرتيفنتورا للتعافي.

“حلم يتحقق؟”

بعد أن أمضى 26 يومًا في “فويرتيفنتورا”، تم نقل أيوب إلى مركز استقبال في “مرسية”، حيث مكث شهرًا، قبل انتقاله إلى إيطاليا بحثًا عن فرص جديدة، وعمل أيضًا في “غرناطة” في جني البرتقال، كما عمل حلاقا في “ألباسيتي”، مستفيدًا من معرفته بمهنة الحلاقة.

يقول أيوب “ومع ذلك، ورغم كوني في أمان، لم أستطع الشعور بأحاسيس السعادة، بعد وصولي إلى أوروبا، لأنني أفكر في صديقي كل يوم”.

ويضيف “كوني مهاجرًا غير قانوني يجعل الحياة أكثر تعقيدًا”، وعلى الرغم من أن أحلامه كمهاجر قد تلاشت، يكتفي أيوب فقط برغبته بعيش حياة طبيعية، وأن يكون لديه منزل كريم وعمل، وهو يقول لن أكرر تجربة هذه الرحلة “أبدًا”.

صوت المغرب


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...