الصحة النفسية في عصر السوشيال ميديا: دليل لحماية أنفسنا وأسرنا من المحتوى السام

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

 

 

كإعلامي وكاتب صحفي مقيم في إيطاليا، ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، التي تؤثر بشكل متزايد على الصحة النفسية للأفراد، خصوصًا الشباب الذين يمضون ساعات طويلة على هذه المنصات، دون وعي بكيفية التعامل مع ما يشاهدونه.

يُظهر الجميع على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي أسلوب حياة قد يكون بعيداً كل البُعد عن الحقيقة، وقد يُصبح الأمر مرهقاً ومثيراً للقلق والتوتر عندما يبدأ مختلف الأشخاص بمقارنة حياتهم وواقعهم بما يرونه على منصات التواصل الاجتماعي. علاوة على ذلك، ومع انتشار الصراعات المختلفة التي تحدث حول العالم والأخبار الزائفة وهتك الأعراض والزور وغيرها من الأمور التي تصيب الإنسان، يمكن أن تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي بالأخبار التي قد تثير مشاعر الغضب والتوتر والإحباط والحزن.

لذلك، من المهم جداً حماية صحتكم النفسية عند الشعور بالإحباط عن طريق أخذ استراحة من الأخبار السلبية لفترة وجيزة والبُعد عن منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بكم والتوقف عن المقارنة بالآخرين. وبدل الانشغال على حساباتكم على صفحات السوشال ميديا، قوموا بممارسة أنشطة مختلفة لتساعدكم على الاسترخاء والتركيز، مثل القراءة والمشي والتحدّث مع صديق مقرّب.

توصيات عملية للوقاية النفسية الرقمية

خصص أوقاتًا محددة للتصفح: ضع جدولًا يوميًا لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مثلاً نصف ساعة صباحًا ونصف ساعة مساءً، وتجنب التصفح العشوائي قبل النوم. التنظيم يقلل من التوتر ويعطي شعورًا بالسيطرة.

استخدم قائمة “التصفية”: احذف أو أخفِ الحسابات التي تثير فيك القلق أو الغيرة أو الانزعاج، وركز على المحتوى المفيد والإيجابي. هذه الخطوة ليست رفاهية، بل حماية فعلية لسلامك النفسي.

خذ استراحة أسبوعية رقمية: خصص يومًا أو نصف يوم بعيدًا عن الهواتف والشاشات، لتعيد شحن طاقتك النفسية وتجدد تركيزك. خلال هذه الفترة، حاول ممارسة نشاطات بديلة تغذي عقلك وروحك، مثل الرسم، الكتابة، أو التأمل.

مارس نشاطًا جسديًا أو ذهنيًا يوميًا: المشي، الرياضة، القراءة أو التأمل تساعد على تفريغ التوتر الناتج عن متابعة الأخبار أو المقارنات. النشاط البدني يُعيد توازن الهرمونات ويقلل القلق والاكتئاب.

دوّن أفكارك ومشاعرك: بدل أن تنشر كل شعور على الإنترنت، احتفظ بمذكرات شخصية تعكس واقعك الحقيقي، لتفهم نفسك بشكل أفضل. الكتابة اليومية تمنحك وضوحًا داخليًا وفرصة لإعادة ترتيب الأفكار.

تواصل وجهاً لوجه: خصص وقتًا للأصدقاء والعائلة خارج العالم الرقمي، فاللقاءات المباشرة تقوي روابط الدعم النفسي أكثر من أي تفاعل إلكتروني. العلاقات الحقيقية هي الحصن الأكبر ضد الوحدة والضغط النفسي.

تعلم النقد الرقمي: تحقق من صحة الأخبار قبل مشاركتها، ولا تدع العناوين المثيرة توجيه عواطفك، فوعي المعلومات هو الدرع النفسي الأول ضد التوتر الرقمي. معرفة الفرق بين الحقيقة والزيف تعطيك قوة عقلية وتوازنًا داخليًا.

نصائح إضافية لتعزيز الصحة النفسية في العالم الرقمي

الوعي بالذات: قبل فتح أي تطبيق، اسأل نفسك: “ما الهدف من استخدامي لهذا الوقت الرقمي؟” هذا التأمل القصير يمنحك قدرة أكبر على التحكم في عاداتك.

ضبط البيئة الرقمية: أعد ترتيب شاشة هاتفك، وضع التطبيقات الأكثر استهلاكًا للطاقة النفسية في مجلدات بعيدة، وضع تذكيرًا بالوقت المخصص للتصفح.

التعليم المستمر: تابع حسابات تعطي محتوى تثقيفي وإيجابي، من كتب، دورات، مقاطع علمية أو صحية. استثمار وقتك الرقمي بما ينمي عقلك وروحك يحوّل المنصة من مصدر ضغط إلى أداة نمو.

المرونة والتسامح مع الذات: لا تلوم نفسك إذا تجاوزت وقتك الرقمي أحيانًا. المهم العودة إلى التوازن تدريجيًا. الرحلة نحو الصحة النفسية مستمرة وليست مسابقة.

العالم الرقمي ليس شرًّا مطلقًا، فهو أداة عظيمة للتعلم والتواصل والتأثير الإيجابي، لكنه يحتاج إلى وعي يضبط استخدامه. احمِ نفسك من الإفراط، ووازن بين حضورك الواقعي والافتراضي، ولا تسمح لمحتوى عابر أن يسرق طاقتك أو يُضعف روحك.

الصحة النفسية ليست رفاهية في زمن السوشيال ميديا، بل هي معركة وعي يومية يجب أن نخوضها بشجاعة وهدوء.

“من لا يُحسن الصمت أمام الشاشات، لن يسمع صوت قلبه في الواقع.” 

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...